الأطعمة الطقسية في
السودان
يحدثنا كتاب (الطبقات) عن ارتباط الأطعمة
والمشروبات في سياق الحياة المجتمعية لأهل السودان بالعديد من الإشارات والتحولات
التي تعطي الطعام والشراب أبعاداً رمزية وطقوسية، وحتى طريقة الطهي والتناول
والإعداد والتقديم تدخل ضمن المنظومة الشعائرية الطقوسية للطعام سواء عند المتصوفة
أو غيرهم من المجموعات السودانية. وتشمل هذه الطقوس آنية الطعام ومادة الغذاء
نفسها ومواقيتها، والأطعمة الخاصة بأهل الطريق أو التي تقدم في طقوس العبور (الميلاد،
الختان، الزواج والموت).
الماء
الماء في التراث الروحي هو جوهر الحياة
ومادتها، وهو كذلك رمز للتطهر سواء بالاغتسال به أو (الغِطاس) كما في معمودية
الأقباط، فمعمودية الماء هي معمودية (يوحنا) ومن لم يعمد لا يعدّ مسيحياً. يشير (الطبقات)
إلى خصوصية الماء كرمز للطهر والنقاء والبركة والصلاح في مقابل (الخمر) أم الكبائر،
وبواسطة الماء يتم التحوّل من حال إلى حال، فسليمان الزغرات كما يروي ود ضيف الله
كان فاسقاً بابكولا (يجلب الماء ليمرس به المريسة)، وفي يوم التقاه القوم وعلى
رأسهم الشيخ عبد الصادق وهو يحمل الماء فقال له: يا فقير اسق الفقرا، فسقاهم، قال
له الشيخ عبد الصادق: الله يملاك دين. قالوا وما أن طلعت عليه الشمس حتى تغيّر
حاله وصار ولياً من أولياء الله الصالحين.
موية المُندرة
وكما روى صاحب (الطبقات) معجزة التحوّل عن
طريق شرب الماء بعد أن (شرب عبد الصادق سقاه مما تبقى).. يروي حكاية أخرى للتحوّل
عن طريق الاغتسال بالماء والدخول في عالم الطريق، طريق القوم: (كان غير السكر
واللعبات ما عندو شي جاهو الشيخ الأنسي قال ليه قبال نمشي البطان أخير نتبرد في
البحر أها مشى اتبرد، قال ليه يا سيدنا والله اللعبات بقى ما فيها غرض أخير وكت
أتبرد أتوضأ أصلي). انتهى.
الحليب والتمر
يرد الحليب والتمر دائماً كتقدمة قربانية من
الشيخ للمريد، يحدث بعدها التحوّل والانتقال بالمريد من حال إلى حال، كما حدث في
حلة الشيخ المادح حاج الماحي وإبراهيم الرشيد مرشد الطريقة الأحمدية.. يقال إن حاج
الماحي كان مغنياً يعزف الطنبور، وذات يوم جاء عبد صالح تشير الروايات إلى أنه
الشيخ إبراهيم الرشيد فقدمت له والدة حاج الماحي التمر واللبن وأكل منهما وشرب
وأمرها بأن يتناول الباقي حاج الماحي بعد مجيئه آخر الليل، وكان هذا الفعل هو نقطة
تحوّل كبرى في حياة حاج الماحي.
والتمر يرد في حكايات المتصوفة وشعراء
المديح كإذن ببداية مديح المصطفى "صلى الله عليه وسلم"، ويرد ذلك في
أشعار المديح، أن المادح تناول من شيخه تمراً فأجرى ذلك التمر الشعر على لسانه،
وأحياناً يتم تناول التمر من خلال رؤيا منامية يُعطى فيها الإذن بنظم الشعر
والمديح لحلاوة التمر ولارتباطه بالصيام.. يقول المادح "قدورة":
(تمراتي القبيل بليتن
في مدح الرسول ختيتن)
وعند الشيخ أحمد أب كساوي:
لساناً ضاق القنديل
عن مدحو قط ما بميل
في حواهو همومنا بشيل
فاق انبياهو قبيل
العُكارة
من المشروبات الطقسية التي ارتبطت بالمسيد
وبأهل الطريق خاصة، وغالباً ما تكون من الكسرة مع إضافة الماء. ويقال إن العُكارة
مثل الحلو مر (تقطع العطشة)، وفي شهور الصيف القائظة يقدم الحلو مر أحياناً أو الآبري
الأبيض لضيوف المسيد خاصة الذين جاءوا من مناطق بعيدة كنوع من تخصيص الضيافة
والإكرام لهم.
كرامة البليلة
البليلة من الأطعمة الطقسية الواردة في
(الطبقات)، وقد تكرر ذكرها وهي مرتبطة بالكرامة أو رفع البلاء، ويشترط أن يكون
الإناء مفتوحاً للاعتقاد بأن الدخان الصاعد من البليلة يرفع البلاء.
وقد غنى أحد شعراء الشايقية للبليلة:
(البليلة أم ملحاً نضيف
حبة لوبي وحبة عيش ريف
البضوقك يحرن يقيف
يا حلاتك في الشلاليف).
البليلة البيضاء
وبعضها يفضل أن يُقدم دون لحم أو ذبح جدي
صغير، والبليلة بلا لحم تسمى الكرامة البيضاء أو البليلة البيضاء.. وفي السنوات
الأخيرة صار يقدم الأرز بالسكر والسمر بديلاً عن البليلة البيضاء.
*حقوق الطبع والنشر محفوظة لمجلة مذاق خاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق