مع د. منار بشري استشاري زراعة الكلي
أمراض وزراعة الكُلى في السودان.. حقائق وأرقام
عدد الفصل الاول 2019
اتساقاً مع رغبتنا في كتابة ملف يحيط بقضايا أمراض وزراعة الكُلى في السودان، يصعب تخطي اسم الدكتورة منار بشرى استشاري زراعة الكُلى، وهي من الوجوه الشابة المشرقة في هذا المجال، سهرت هى وبقية العقد الفريد على علاج المرضى وإجراء علمية الزراعة لهم ومتابعة الحالات بشكل يومي ودقيق. وقد أتيح لها المرور بتجارب شديدة التنوع والتعقيد في هذا الحقل، حيث إنها من الجيل الذي ربط بين إبتدار الرواد وتطلعات ومثابرة الشباب نحو مستقبل أفضل للخدمات الطبية في هذا التخصص بالذات.
تشير سيرتها المهنية إلى تخرجها في كلية الطب جامعة الخرطوم وتخصصها في الجراحة الإكلينيكية (دكتوراه)، ومن ثم حصولها على زمالة زراعة الكُلى من جامعة المنصورة، حيث حظيت في مركز المنصورة بفرصة التدريب العملي المباشر كونه المركز الأشهر في الاختصاص وثاني أكبر مركز فى افريقيا متخصص بعد جنوب أفريقيا.
باشرت العمل بوزارة الصحة كطبيبة عمومية منذ العام 1992 إلى أن تخصصت في العام 1998، وارتقى بها الأداء المهني الممتاز لإنشاء مركز أحمد قاسم لجراحة القلب المفتوح وزراعة الكلى في الفترة من 98 – 2004، والآن هي استشاري زراعة الكُلى بكل من (أحمد قاسم) و(ابن سينا) ومركز (نورا) الاطفال التقيناها فكانت هذه السطور..
- د. منار بشرى يعدُّ السودان من الدول العربية والأفريقية الرائدة في مجال زراعة الكُلى وتحتفظ ذاكرة الحياة السودانية بأسماء لامعة في هذا المجال.. نريد أن يتعرف القارئ عبركم على الخطوات الأولى؟
هذا استهلال جميل، لأن الماضي دائماً يرتبط بالحاضر وكذلك المستقبل.. بدأت زراعة الكُلى في مستشفى (الخرطوم) وكان السودان زائداً في هذا المجال، ربما سبقته الأردن سنة 1972.. نحن بدأنا في العام 1974 العملية الأولى.. وبروفيسور عمر بليل كان ضمن فريق الجراحين الذى يتكون من اربعة جراحين وهي في الحقيقة عمليتان للمانح والمستقبل، والحالة التي أجريت لها عملية الزراعة (مريض سعودي) والاختصاصي الذي جهز المريض للزراعة هو بروفيسور/ حسن أبوعائشة.. تم في تلك الفترة إجراء ثلاث أو أربع عمليات وكان القرار أن تنتقل العلميات إلى وحدة أكثر تخصصاً وجاهزية، وتواصلت العمليات في مستشفى (سوبا) حتى العام 1985 ثم توقفت لتبدأ في (ابن سينا) على يد بروفيسور الفاضل الملك عام 1985م وحتى 1989م.
الذي حدث حتى ذلك الوقت أجريت حوالي (30) عملية جراحية، توقف المد بعدها لنزيف هجرة التخصصات الحاد الذي أصاب المؤسسة الطبية السودانية.. إبان تلك الفترة كانت أكبر المشاكل تتمثل في عدم توفّر المستهلكات والأدوية التي يحتاجها المريض.. وحتى العام 1990 بلغ عدد زارعي الكُلى في الوطن العربي (200) مريض سوداني أغلبهم زرع في الكويت والسعودية، حيث بدأ الزراعة في الكويت العام 1979 د. جورج أبونا، وهو عراقي الاصل، أما فى السودان توقفت العمليات في الفترة من 1995- 2000، وهاجر معظم هؤلاء الجراحيين واستشارى الكلى الى الوطن العربى حيثوا ساهموا بشكل مباشر فى دعم برنامج علاج مرضى الكلى والزراعة فى كل الدول العربية وبمبادرة من دكتور عبد الله سيد أحمد وزير الصحة ولاية الخرطوم أنشئ مركز جراحة القلب المفتوح بمستشفى احمد قاسم ثم بعهده مركز (الاستصفاء الدموي وزراعة الكُلى) في مستشفى (أحمد قاسم)، الذي ابتدر فيه الدكتور عبد الله عشميق عمليات جراحة القلب المفتوح عام 1998، وقد أجريت أول عملية زراعة كلى في مستشفى (أحمد قاسم) ديسمبر 2000 بإستضافة الجراح جورج ابونا العراقى الاصل والذى اصبح امريكى الجنسية فى ذلك الوقت وما زال المركز يعمل حتى يومناهذا، وقد بلغ عدد العمليات (157) عملية في 2017 كأعلى معدل لزراعة الكُلى في أفريقيا، وثاني مركز في الوطن العربي بعد مركز (فيصل التخصصي) في الرياض، مع الفارق في الإمكانيات.
- د. منار.. ما السبب الذي جعل هذه النجاحات تتحقق في السودان وبهذه الأعداد المقدرة؟
وجود المانحين أو المتبرعين بالكلية، فالسودان يعيش حالة تضامن أسري ملحوظ، ويتقدم في الأسرة الواحدة أحياناً أكثر من خمسة متبرعين من ذوي القربى وحتى الزوجات يتبرعن لأزواجهن والأبناء لآبائهم والعكس.
- صار مستشفى (أحمد قاسم) منارة ومرجعاً لهذه الجهود.. ما سر هذا المكان ومزاياه؟
تضافر جهود عدة أدى للنجاح، أولها الدعم المجتمعي من الخيرين وأصحاب المبادرات، منهم رجل الأعمال هاشم هجو ومحمد صالح إدريس (كوفتي) والفريق عثمان بلية ورئيس مجلس الإدارة سمير أحمد قاسم والمتبرع بالمستشفى وقف لصالح والده رحمه الله هؤلاء جمعوا تبرعات لـ(40) عملية كانت بداية قوية للمشروع، وشاركهم الأمين العام لديوان الزكاة وقتها ومعتمد بحري صديق عبد القادر الذي كان يشرف على هذا العمل الوطني والإنساني الكبير.
- نريد أن نشير إلى أسماء وأعلام عملوا في هذا الحقل؟
انتهز هذه الفرصة الطيبة لكى أوضح أن أهم مميزات العمل فى زراعة الكلى أنها تنجح وتكتمل بواسطة فريق متكامل كل له دوره المهم للغاية لإنجاح العملية وذلك يقودنى لذكر أن العمل بدأ بمستشفى احمد قاسم باختصاصي أمراض وزراعة الكُلى الدكتور عبدالرحمن عبد الوهاب استشارى امراض وزراعة الكلى المتخصص بالمملكة المتحدة و مستر الطيب عبد الرحمن استشارى الجراحة العامة وزراعة الكلي المتدرب بالمملكة المتحدة وعميد كلية الطب بجامعة الزعيم الازهري ود. نزار حسن زلفو استشارى المسالك البولية وزراعة الكلى الذي تدرب بجنوب افريقيا وعمل هذا الثلاثي مدعوماً باستشارية المناعة والانسجة الدكتوره /اشراقة احمد فرج الله واخصائية الصيدلة السريرية الدكتورة شذى ابوالكل والشيء بالشيء يذكر، حيث شرّف العملية الأولى الجراح العراقي د. جورج أبونا في العام 2000، وهذا المريض لا يزال يتمتع بصحة جيدة أدام الله عليه نعمة الصحة والعافية، وكان المُتبرع ابنه.
-ثمة مبادرات تمت من أطباء سودانيين خارج السودان.. هل بوسعنا التوثيق لهذه المبادرات؟
نعم، تجدر الإشارة إلى هذه الجهود وهي جهود طوعية إنسانية في حقيقتها، بدأت بأطباء من المملكة المتحدة وأيرلندا وقرروا أن يختاروا زملاء للدفع بمشروع زراعة الكُلى بالسودان عبر مستشفى (أحمد قاسم) بعد السمعة الطيبة التي أحرزها، فتم اختيار د. كمال أبو سن، لاجراء العمليات الاولى لدعم بروف/ الطيب عبدالرحمن والذى ترأس فريق الجراحة ويقوم د. عبد الرحمن عبد الوهاب وبقية الطاقم الطبى بتحضير المرضى في شكل مجموعات تتراوح ما بين سبعة إلى عشرة مرضى، ويعمل على ذلك د. كمال أبو سن وفريق الجراحين، واستمر هذا العمل لمدة عامين كل ثلاثة أشهر، بعدها قام فريق السودان بمواصلة زراعة الكُلى بصورة منتظمة بمعدل أربع عمليات في الشهر، وتواصل هذا العمل بصورة تصاعدية حتى بلغ في السنة الأولى (35) عملية وتوالت بعدها زيارات الاطباء السودانيين بمرافقة عدد من الاستشاريين البريطانيين للوقوف علي التجربة وانجاحها بالتطوير المستمر، وقد عدت الى المستشفى فى العام 2007م للعمل ومعى طبيبين اخرين د/ محمدحمد النيل الكاشف ود/ علاء الدين منصور بعد تكملة تدريبنا على الزراعة بكل من جامعة المنصورة ومركز السند للمسالك البولية والزراعة بالباكستان و تواصل المجهود حتي بلغ مجموع العمليات في العام 2017 عدد "157" عملية زراعة فى مستشفى احمد قاسم وكذلك عملنا في مستشفى إبن سينا ايضاً ليصل عدد العمليات فى هذا العام "70" عملية
-كيف تم اعتماد مستشفى (أحمد قاسم) لهذه المهام الطبية الصعبة؟
في العام 1997م، وعبر منظمة الدعوة الإسلامية وبتبرع من منظمة سعودية تم مد السودان بأجهزة ومعدات طبية لمركز جراحة قلب مفتوح، وكان خلف هذا المشروع د. عبد الله سيد أحمد وزير الصحة ولاية الخرطوم انذاك ، ود. حسان الرفة، (جراح سعودي عالمي)رئيس المنظمة السعودية ، وقد تمت استضافة مركز القلب المفتوح بمستشفى (أحمد قاسم)، وهو بالأصل مستشفى لـ(الأطفال) وعيّن سمير أحمد قاسم رئيساً لمجلس إدارة المستشفى.. ومعروف أن أجهزة جراحة القلب أجهزة عالية الدقة، وللفريق الطبي خبرة ممتازة في تحديد الاحتياجات الحرجة.. وكما هو معلوم فـ(الفشل الكلوي) يحتاج لأجهزة متطورة ، والتيم يضم خبرات نادرة فـ"إشراقة فرج الله" اختصاصية مناعة وقد ساهمت مشكورة في اختيار المتبرع من شجرة الأسرة، وقد تمت ترقيتها مؤخراً منسقاً للمركز العام لمتبرعي الكُلى في المركز القومي لأمراض وجراحة الكُلى.. ويوجد ضمن التيم صيادلة سريريون، نذكر منهم الدكتورة "شذى أبو الكل" وقد تم تدريبها في ماليزيا نتيجة لمجهوداتها في هذا المجال، ويضم التيم استشاريون في الأشعة التخصصيه منهم دكتور الريح مصطفى ودكتورة نجوى دنقلا ودكتور الطيب العبيد وفي المجال النفسي وضباط تغذية علاجية قبل وبعد زراعة الكُلى، فالتغذية المدروسة عامل أساسي من عوامل نجاح الزراعة لأن المريض يأخذ "كورتزون"، وإن لم تتم تغذيته بطريقة متوازنة يؤدي الكورتزون إلى السمنة وزيادة الوزن وغير ذلك فان مجموعة من الزارعين يعانون من الضغط والسكرى ولكنها تحتاج الى التوازن فى التغذية.
- البعض يعتقد أن التمريض والرعاية الصحية عامل ضروري لمرحلة ما بعد الزراعة؟
هذا صحيح، والعاملون في حقل التمريض تم تدريب بعضهم في الأردن باستضافة جراحين كبار كالدكتور "داوود حنانيا" والدكتور خالد المهلوى وهو استشارى كلى اردنى بادر بتدريب الطاقم التمريضى والاطباء فى الاردن ومنذ ان بدأ العمل بالضرورة ذاد عدد إستشارى واختصاصى امراض الكلى ولكن كانت الهجرة الى الدول العربية من ابرز التحديات التى جعلت العدد الكلى للعاملين فى هذا المجال الحساس بسيط جداً .
- انتشار مراكز الكُلى في الولايات وهل توجد معدلات لانتشار المرض بنسبة أعلى في بعض الولايات؟
الأكثر انتشاراً في معدلات النسب شمال وغرب السودان، وتزيد نسبة توزيع المراكز حسب التعداد السكاني.. ففي الجزيرة مثلاً (12) مركزاً، ولاية الخرطوم (33) مركزاً، دارفور وكردفان من (13 - 14) مركزاً، كذلك توجد مراكز في سنار وفي شرق السودان تحديداً في كسلا وبورتسودان.
- أطفالنا.. أكبادنا تمشي على جمر الغسيل.. تجربة مؤلمة أن يصاب طفل بهذا المرض؟
فعلاً تجربة إصابة طفل بهذا المرض تجربة مؤلمة للطفل نفسه ولأسرته، فهو يحد كثيراً من حركته ونشاطه، وزراعة الكُلى للأطفال في السودان بدأت بتبرع من أسرة قطرية بمستشفى (سوبا) سمي مركز (نورا) علي ابنتهم المريضة التي تعافت منذ العام 2015م والذي يشمل مجمع عمليات متكامل لجراحة وزراعة كلي للاطفال و جراحة الاطفال ومركز غسيل الدموي للاطفال ،واحتفل المركز بإجراء (50) عملية للأطفال في الفترة من(2010 - 2015م) كما إجراء عدد 24 عملية في العام 2017، وقد حقق الفريق العامل هذه النسبة العالية كأكبر نسبة إجراء عمليات بعد جامعة "ستانفورد" التي أجرت (25) عملية وكرّمهم الرئيس الأمريكي "أوباما".
- برأيك.. ما هو سبب نجاح عمليات زراعة الكُلى بالسودان؟
كما ذكرت سابقاً التضامن المجتمعي، ففي السودان لا توجد قوائم انتظار طويلة لأن الأسرة تتدافع للتبرع.. العامل الأهم هو تعهد الدولة بمجانية رسوم الزراعة والاستصفاء الدموي والأدوية المثبتة للمناعة، وهي من عوامل استمرار النجاح.
- بحمد الله يا دكتورة أنجز السودان أرقاماً ممتازة في السجلات والوثائق المعتمدة لخبراء الصحة في العالم في مسألة زراعة الكُلى هذه.. حدثينا عن هذا الرصيد؟
بحمد الله وتوفيقه، فالنجاح المعياري للتجربة السودانية يقاس بنسبة الحياة في السنةالأولى والتي فاقت الـ(98%)،وفي الخمس سنوات الاولي التي فاقت ( 85%) ووصلنا خلال عشر سنوات إلى أكثر من (70%) قياساً بدول إمكاناتها أفضل ونمط الحياة والتغذية فيما أفضل من السودان، وهذا الفضل بعد الله تعالى للجهود المخلصة للأطقم الطبية العاملة في هذا المجال، التي صمدت وواصلت جهودها هنا رغم إغراء الهجرة والاغتراب.
- تركز جل حديثنا عن المريض.. مريض الفشل الكلوي.. ماذا عن المتبرع؟
أثبتت الدراسات أن المتبرعين يعيشون حياة أطول لتمتعهم بالرعاية الطبية من ناحية ولمحافظتهم على برنامج وروتين غذائي محدد.. الكلية المتبقية يتضاعف حجمها وتزيد كفاءتها.
- شكراً دكتورة منار بشرى على ما منحتنا من وقتك الثمين.
شكراً لمجلة (مذاق خاص).
سيرة ذاتية :
د.منار بشري
-استشاري زراعة الكلي
- مديرة مستشفي احمد قاسم سابقا
-مديرة المجلس القومي للكلي سابقا
*تواصل "مجلة مذاق خاص" توثيقها لملف جراحة وزراعة الكلي بالسودان في اعدادها القادمة.
مجلة "مذاق خاص" عدد الفصل الاول 2019
أمراض وزراعة الكُلى في السودان.. حقائق وأرقام
عدد الفصل الاول 2019
اتساقاً مع رغبتنا في كتابة ملف يحيط بقضايا أمراض وزراعة الكُلى في السودان، يصعب تخطي اسم الدكتورة منار بشرى استشاري زراعة الكُلى، وهي من الوجوه الشابة المشرقة في هذا المجال، سهرت هى وبقية العقد الفريد على علاج المرضى وإجراء علمية الزراعة لهم ومتابعة الحالات بشكل يومي ودقيق. وقد أتيح لها المرور بتجارب شديدة التنوع والتعقيد في هذا الحقل، حيث إنها من الجيل الذي ربط بين إبتدار الرواد وتطلعات ومثابرة الشباب نحو مستقبل أفضل للخدمات الطبية في هذا التخصص بالذات.
تشير سيرتها المهنية إلى تخرجها في كلية الطب جامعة الخرطوم وتخصصها في الجراحة الإكلينيكية (دكتوراه)، ومن ثم حصولها على زمالة زراعة الكُلى من جامعة المنصورة، حيث حظيت في مركز المنصورة بفرصة التدريب العملي المباشر كونه المركز الأشهر في الاختصاص وثاني أكبر مركز فى افريقيا متخصص بعد جنوب أفريقيا.
باشرت العمل بوزارة الصحة كطبيبة عمومية منذ العام 1992 إلى أن تخصصت في العام 1998، وارتقى بها الأداء المهني الممتاز لإنشاء مركز أحمد قاسم لجراحة القلب المفتوح وزراعة الكلى في الفترة من 98 – 2004، والآن هي استشاري زراعة الكُلى بكل من (أحمد قاسم) و(ابن سينا) ومركز (نورا) الاطفال التقيناها فكانت هذه السطور..
- د. منار بشرى يعدُّ السودان من الدول العربية والأفريقية الرائدة في مجال زراعة الكُلى وتحتفظ ذاكرة الحياة السودانية بأسماء لامعة في هذا المجال.. نريد أن يتعرف القارئ عبركم على الخطوات الأولى؟
هذا استهلال جميل، لأن الماضي دائماً يرتبط بالحاضر وكذلك المستقبل.. بدأت زراعة الكُلى في مستشفى (الخرطوم) وكان السودان زائداً في هذا المجال، ربما سبقته الأردن سنة 1972.. نحن بدأنا في العام 1974 العملية الأولى.. وبروفيسور عمر بليل كان ضمن فريق الجراحين الذى يتكون من اربعة جراحين وهي في الحقيقة عمليتان للمانح والمستقبل، والحالة التي أجريت لها عملية الزراعة (مريض سعودي) والاختصاصي الذي جهز المريض للزراعة هو بروفيسور/ حسن أبوعائشة.. تم في تلك الفترة إجراء ثلاث أو أربع عمليات وكان القرار أن تنتقل العلميات إلى وحدة أكثر تخصصاً وجاهزية، وتواصلت العمليات في مستشفى (سوبا) حتى العام 1985 ثم توقفت لتبدأ في (ابن سينا) على يد بروفيسور الفاضل الملك عام 1985م وحتى 1989م.
الذي حدث حتى ذلك الوقت أجريت حوالي (30) عملية جراحية، توقف المد بعدها لنزيف هجرة التخصصات الحاد الذي أصاب المؤسسة الطبية السودانية.. إبان تلك الفترة كانت أكبر المشاكل تتمثل في عدم توفّر المستهلكات والأدوية التي يحتاجها المريض.. وحتى العام 1990 بلغ عدد زارعي الكُلى في الوطن العربي (200) مريض سوداني أغلبهم زرع في الكويت والسعودية، حيث بدأ الزراعة في الكويت العام 1979 د. جورج أبونا، وهو عراقي الاصل، أما فى السودان توقفت العمليات في الفترة من 1995- 2000، وهاجر معظم هؤلاء الجراحيين واستشارى الكلى الى الوطن العربى حيثوا ساهموا بشكل مباشر فى دعم برنامج علاج مرضى الكلى والزراعة فى كل الدول العربية وبمبادرة من دكتور عبد الله سيد أحمد وزير الصحة ولاية الخرطوم أنشئ مركز جراحة القلب المفتوح بمستشفى احمد قاسم ثم بعهده مركز (الاستصفاء الدموي وزراعة الكُلى) في مستشفى (أحمد قاسم)، الذي ابتدر فيه الدكتور عبد الله عشميق عمليات جراحة القلب المفتوح عام 1998، وقد أجريت أول عملية زراعة كلى في مستشفى (أحمد قاسم) ديسمبر 2000 بإستضافة الجراح جورج ابونا العراقى الاصل والذى اصبح امريكى الجنسية فى ذلك الوقت وما زال المركز يعمل حتى يومناهذا، وقد بلغ عدد العمليات (157) عملية في 2017 كأعلى معدل لزراعة الكُلى في أفريقيا، وثاني مركز في الوطن العربي بعد مركز (فيصل التخصصي) في الرياض، مع الفارق في الإمكانيات.
- د. منار.. ما السبب الذي جعل هذه النجاحات تتحقق في السودان وبهذه الأعداد المقدرة؟
وجود المانحين أو المتبرعين بالكلية، فالسودان يعيش حالة تضامن أسري ملحوظ، ويتقدم في الأسرة الواحدة أحياناً أكثر من خمسة متبرعين من ذوي القربى وحتى الزوجات يتبرعن لأزواجهن والأبناء لآبائهم والعكس.
- صار مستشفى (أحمد قاسم) منارة ومرجعاً لهذه الجهود.. ما سر هذا المكان ومزاياه؟
تضافر جهود عدة أدى للنجاح، أولها الدعم المجتمعي من الخيرين وأصحاب المبادرات، منهم رجل الأعمال هاشم هجو ومحمد صالح إدريس (كوفتي) والفريق عثمان بلية ورئيس مجلس الإدارة سمير أحمد قاسم والمتبرع بالمستشفى وقف لصالح والده رحمه الله هؤلاء جمعوا تبرعات لـ(40) عملية كانت بداية قوية للمشروع، وشاركهم الأمين العام لديوان الزكاة وقتها ومعتمد بحري صديق عبد القادر الذي كان يشرف على هذا العمل الوطني والإنساني الكبير.
- نريد أن نشير إلى أسماء وأعلام عملوا في هذا الحقل؟
انتهز هذه الفرصة الطيبة لكى أوضح أن أهم مميزات العمل فى زراعة الكلى أنها تنجح وتكتمل بواسطة فريق متكامل كل له دوره المهم للغاية لإنجاح العملية وذلك يقودنى لذكر أن العمل بدأ بمستشفى احمد قاسم باختصاصي أمراض وزراعة الكُلى الدكتور عبدالرحمن عبد الوهاب استشارى امراض وزراعة الكلى المتخصص بالمملكة المتحدة و مستر الطيب عبد الرحمن استشارى الجراحة العامة وزراعة الكلي المتدرب بالمملكة المتحدة وعميد كلية الطب بجامعة الزعيم الازهري ود. نزار حسن زلفو استشارى المسالك البولية وزراعة الكلى الذي تدرب بجنوب افريقيا وعمل هذا الثلاثي مدعوماً باستشارية المناعة والانسجة الدكتوره /اشراقة احمد فرج الله واخصائية الصيدلة السريرية الدكتورة شذى ابوالكل والشيء بالشيء يذكر، حيث شرّف العملية الأولى الجراح العراقي د. جورج أبونا في العام 2000، وهذا المريض لا يزال يتمتع بصحة جيدة أدام الله عليه نعمة الصحة والعافية، وكان المُتبرع ابنه.
-ثمة مبادرات تمت من أطباء سودانيين خارج السودان.. هل بوسعنا التوثيق لهذه المبادرات؟
نعم، تجدر الإشارة إلى هذه الجهود وهي جهود طوعية إنسانية في حقيقتها، بدأت بأطباء من المملكة المتحدة وأيرلندا وقرروا أن يختاروا زملاء للدفع بمشروع زراعة الكُلى بالسودان عبر مستشفى (أحمد قاسم) بعد السمعة الطيبة التي أحرزها، فتم اختيار د. كمال أبو سن، لاجراء العمليات الاولى لدعم بروف/ الطيب عبدالرحمن والذى ترأس فريق الجراحة ويقوم د. عبد الرحمن عبد الوهاب وبقية الطاقم الطبى بتحضير المرضى في شكل مجموعات تتراوح ما بين سبعة إلى عشرة مرضى، ويعمل على ذلك د. كمال أبو سن وفريق الجراحين، واستمر هذا العمل لمدة عامين كل ثلاثة أشهر، بعدها قام فريق السودان بمواصلة زراعة الكُلى بصورة منتظمة بمعدل أربع عمليات في الشهر، وتواصل هذا العمل بصورة تصاعدية حتى بلغ في السنة الأولى (35) عملية وتوالت بعدها زيارات الاطباء السودانيين بمرافقة عدد من الاستشاريين البريطانيين للوقوف علي التجربة وانجاحها بالتطوير المستمر، وقد عدت الى المستشفى فى العام 2007م للعمل ومعى طبيبين اخرين د/ محمدحمد النيل الكاشف ود/ علاء الدين منصور بعد تكملة تدريبنا على الزراعة بكل من جامعة المنصورة ومركز السند للمسالك البولية والزراعة بالباكستان و تواصل المجهود حتي بلغ مجموع العمليات في العام 2017 عدد "157" عملية زراعة فى مستشفى احمد قاسم وكذلك عملنا في مستشفى إبن سينا ايضاً ليصل عدد العمليات فى هذا العام "70" عملية
-كيف تم اعتماد مستشفى (أحمد قاسم) لهذه المهام الطبية الصعبة؟
في العام 1997م، وعبر منظمة الدعوة الإسلامية وبتبرع من منظمة سعودية تم مد السودان بأجهزة ومعدات طبية لمركز جراحة قلب مفتوح، وكان خلف هذا المشروع د. عبد الله سيد أحمد وزير الصحة ولاية الخرطوم انذاك ، ود. حسان الرفة، (جراح سعودي عالمي)رئيس المنظمة السعودية ، وقد تمت استضافة مركز القلب المفتوح بمستشفى (أحمد قاسم)، وهو بالأصل مستشفى لـ(الأطفال) وعيّن سمير أحمد قاسم رئيساً لمجلس إدارة المستشفى.. ومعروف أن أجهزة جراحة القلب أجهزة عالية الدقة، وللفريق الطبي خبرة ممتازة في تحديد الاحتياجات الحرجة.. وكما هو معلوم فـ(الفشل الكلوي) يحتاج لأجهزة متطورة ، والتيم يضم خبرات نادرة فـ"إشراقة فرج الله" اختصاصية مناعة وقد ساهمت مشكورة في اختيار المتبرع من شجرة الأسرة، وقد تمت ترقيتها مؤخراً منسقاً للمركز العام لمتبرعي الكُلى في المركز القومي لأمراض وجراحة الكُلى.. ويوجد ضمن التيم صيادلة سريريون، نذكر منهم الدكتورة "شذى أبو الكل" وقد تم تدريبها في ماليزيا نتيجة لمجهوداتها في هذا المجال، ويضم التيم استشاريون في الأشعة التخصصيه منهم دكتور الريح مصطفى ودكتورة نجوى دنقلا ودكتور الطيب العبيد وفي المجال النفسي وضباط تغذية علاجية قبل وبعد زراعة الكُلى، فالتغذية المدروسة عامل أساسي من عوامل نجاح الزراعة لأن المريض يأخذ "كورتزون"، وإن لم تتم تغذيته بطريقة متوازنة يؤدي الكورتزون إلى السمنة وزيادة الوزن وغير ذلك فان مجموعة من الزارعين يعانون من الضغط والسكرى ولكنها تحتاج الى التوازن فى التغذية.
- البعض يعتقد أن التمريض والرعاية الصحية عامل ضروري لمرحلة ما بعد الزراعة؟
هذا صحيح، والعاملون في حقل التمريض تم تدريب بعضهم في الأردن باستضافة جراحين كبار كالدكتور "داوود حنانيا" والدكتور خالد المهلوى وهو استشارى كلى اردنى بادر بتدريب الطاقم التمريضى والاطباء فى الاردن ومنذ ان بدأ العمل بالضرورة ذاد عدد إستشارى واختصاصى امراض الكلى ولكن كانت الهجرة الى الدول العربية من ابرز التحديات التى جعلت العدد الكلى للعاملين فى هذا المجال الحساس بسيط جداً .
- انتشار مراكز الكُلى في الولايات وهل توجد معدلات لانتشار المرض بنسبة أعلى في بعض الولايات؟
الأكثر انتشاراً في معدلات النسب شمال وغرب السودان، وتزيد نسبة توزيع المراكز حسب التعداد السكاني.. ففي الجزيرة مثلاً (12) مركزاً، ولاية الخرطوم (33) مركزاً، دارفور وكردفان من (13 - 14) مركزاً، كذلك توجد مراكز في سنار وفي شرق السودان تحديداً في كسلا وبورتسودان.
- أطفالنا.. أكبادنا تمشي على جمر الغسيل.. تجربة مؤلمة أن يصاب طفل بهذا المرض؟
فعلاً تجربة إصابة طفل بهذا المرض تجربة مؤلمة للطفل نفسه ولأسرته، فهو يحد كثيراً من حركته ونشاطه، وزراعة الكُلى للأطفال في السودان بدأت بتبرع من أسرة قطرية بمستشفى (سوبا) سمي مركز (نورا) علي ابنتهم المريضة التي تعافت منذ العام 2015م والذي يشمل مجمع عمليات متكامل لجراحة وزراعة كلي للاطفال و جراحة الاطفال ومركز غسيل الدموي للاطفال ،واحتفل المركز بإجراء (50) عملية للأطفال في الفترة من(2010 - 2015م) كما إجراء عدد 24 عملية في العام 2017، وقد حقق الفريق العامل هذه النسبة العالية كأكبر نسبة إجراء عمليات بعد جامعة "ستانفورد" التي أجرت (25) عملية وكرّمهم الرئيس الأمريكي "أوباما".
- برأيك.. ما هو سبب نجاح عمليات زراعة الكُلى بالسودان؟
كما ذكرت سابقاً التضامن المجتمعي، ففي السودان لا توجد قوائم انتظار طويلة لأن الأسرة تتدافع للتبرع.. العامل الأهم هو تعهد الدولة بمجانية رسوم الزراعة والاستصفاء الدموي والأدوية المثبتة للمناعة، وهي من عوامل استمرار النجاح.
- بحمد الله يا دكتورة أنجز السودان أرقاماً ممتازة في السجلات والوثائق المعتمدة لخبراء الصحة في العالم في مسألة زراعة الكُلى هذه.. حدثينا عن هذا الرصيد؟
بحمد الله وتوفيقه، فالنجاح المعياري للتجربة السودانية يقاس بنسبة الحياة في السنةالأولى والتي فاقت الـ(98%)،وفي الخمس سنوات الاولي التي فاقت ( 85%) ووصلنا خلال عشر سنوات إلى أكثر من (70%) قياساً بدول إمكاناتها أفضل ونمط الحياة والتغذية فيما أفضل من السودان، وهذا الفضل بعد الله تعالى للجهود المخلصة للأطقم الطبية العاملة في هذا المجال، التي صمدت وواصلت جهودها هنا رغم إغراء الهجرة والاغتراب.
- تركز جل حديثنا عن المريض.. مريض الفشل الكلوي.. ماذا عن المتبرع؟
أثبتت الدراسات أن المتبرعين يعيشون حياة أطول لتمتعهم بالرعاية الطبية من ناحية ولمحافظتهم على برنامج وروتين غذائي محدد.. الكلية المتبقية يتضاعف حجمها وتزيد كفاءتها.
- شكراً دكتورة منار بشرى على ما منحتنا من وقتك الثمين.
شكراً لمجلة (مذاق خاص).
سيرة ذاتية :
د.منار بشري
-استشاري زراعة الكلي
- مديرة مستشفي احمد قاسم سابقا
-مديرة المجلس القومي للكلي سابقا
*تواصل "مجلة مذاق خاص" توثيقها لملف جراحة وزراعة الكلي بالسودان في اعدادها القادمة.
مجلة "مذاق خاص" عدد الفصل الاول 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق