الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

خبيرة تكنولوجيا الحبوب أ.د ست النفر محجوب لـ(مذاق خاص): - سياسات عالمية فرضت القمح وكرّسته - الذرة بحاجة لقرار سياسي جرئ

خبيرة تكنولوجيا الحبوب
أ.د ست النفر محجوب لـ(مذاق خاص):
- سياسات عالمية فرضت القمح وكرّسته
- الذرة بحاجة لقرار سياسي جرئ
يستحيل تجاوز شهادة بروفيسور ست النفر محجوب الخبيرة في مجال علوم وتكنولوجيا الأغذية ونحن نفتح ملف البدائل الغذائية لأهل السودان وتحديداً الذرة، فقد ظلت هذه العالمة الجليلة، الأستاذة الجامعية والباحثة المهمومة بالعمل العام تقاتل لعقود من الزمان لتأصيل موروثاتنا الغذائية الوطنية وتكريم تقاليدنا المجتمعية في الغذاء والصحة، وما أن يرد ذكر الذرة والقمح إلا ويطفر اسمها إلى سطح الذاكرة، فقد استهلت هذه الجهود المخلصة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي ولا يزال في صدرها شيء من حتى القمح والذرة.. جلست إليها (مذاق خاص) لتستخلص منها شهادة توثيقية حول هذه الجهود المضنية مجراها ومرساها، فكانت هذه الإفادة التي اتخذت شكل خطوط وعناوين بارزة دون أن نغوص في التفاصيل.. فإلى روايتها الشخصية.

الهموم والاهتمام:
منذ تخرجي في كلية العلوم جامعة "الخرطوم" على مستوى البكالوريوس، ثم حصولي على الماجستير والدكتوراه من جامعة "كنساس" بالولايات المتحدة الأمريكية، انصرف اهتمامي إلى موضوع الحبوب والغلال لا سيما أن الجامعة نفسها، جامعة "كنساس"، أعني الكلية التي درست بها، متخصصة في صناعة وعلوم الحبوب.. عدت إلى الوطن وكان موضوع الحبوب شاغلي وهاجسي، والتحقت بالعمل بمركز بحوث الأغذية بشمبات، هذا وقد سبقتني جهود باحثين وعلماء في هذا المجال، ولأن هذا الانشغال بدأ عندي 72- 1976 واصلنا العمل، فنحن نعمل كتيم وفريق عمل متجانس لكلٍّ كسبه ودوره.. بدأت قيادة فريق العمل واستمرت البحوث في مجال الحبوب بتمويل من (FAO) وطبقنا بعض النتائج تجارياً.

84- 1985م
تواصل ست النقر شهادتها التوثيقية قائلة:
الواقع أننا عملنا على تحسين دقيق الذرة وخلطه مع القمح لإنتاج الخبز ومنتجات أخرى.. الأبحاث كانت مشجعة وبالتالي استمرت الأبحاث بكل أنواع الذرة المتوفرة في السودان، وبدأنا بنسبة خلط (5%) إلى (50%) ذرة مع القمح، تجارياً طبقنا نسبة خلط (20%) ذرة في ثلاثة مخابز بمدن العاصمة المثلثة: الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان.. هذه التجربة لم تستمر للأسف لأنه عندما يتوفر القمح تهمل الدولة الموضوع، وعندما يرتفع سعر القمح عالمياً يعود البحث عن الدقيق المخلوط (قمح+ ذرة).

القمح والسياسة:
تواصل بروفيسور ست النفر محجوب شهادتها التوثيقية مضيفة هذه المرة نظرة تحليلية لتقاطعات البحث العلمي والاقتصاد والسياسة قائلة:
نحن علماء متخصصون لا دخل لنا بالسياسة، ولكن أستطيع القول من خلال استدامة هذه المحاولات في مسألة العلاقة بين القمح والذرة، إن هذا الملف بكامله لم يتخذ بشأنه قرار سياسي حاسم.. استمر عملي مع مركز أبحاث الأغذية حتى بعد خروجي من المركز، واستمر التجريب والتطبيق، وارتفعت النسبة حتى (100%) ذرة، وأنتجنا خبراً مقبولاً.. التطبيق التجاري استمر.. نفذنا تجربة مع ولاية الخرطوم سنة 1995، والخلط كان فيها بنسبة (30- 35%) ذرة، وكانت النتيجة طيبة ومقبولة جداً.
التجربة الثانية بولاية الخرطوم كانت 1998م تحت اسم المشروع القومي لصناعة الخبز المخلوط.. 2009م استمرت التجارب، والدراسات العليا لم تتوقف في هذا الباب واستخدمت بعض التطبيقات دقيق الفتريتة.. 2017م تم فيه آخر تطبيق مع البنك الزراعي (المخزون الإستراتيجي).. وفي العام 2018 استغل طلاب، دراسات في إنتاج خبز لشريحة من المرضى المصابين بحساسية القمح.. الشاهد أن هذه المحاولات لم يسندها قرار سياسي جريء، كما أن المحاولات المستمرة للبحوث في بدائل تمثلها غلال أخرى غير القمح تصطدم دائماً بقوى عالمية تمثل تجارة القمح الدولية مصدراً حيوياً من مصادرها الاقتصادية.

مساهمة القطاع الخاص:
أول تطبيق تجاري مولته المعونة الأمريكية، تعاونوا معنا.. سياسة القمح قامت على فرضية توفّر الذرة وانخفاض أسعاره. للأسف الدولة فتحت باب استيراد القمح والدقيق وهو أمر ليس في صالح الإنتاج المحلي.. لكي ينجح الأمر لابدّ أن يكون هناك فائض محصولي وأصناف وكميات وزراعة.. الزراعة تحتاج إلى مواعين تخزينية، لابد من التوسّع في المواعين التخزينية، وأن تتوفر مطاحن للذرة بمواصفات.. المطاحن الموجودة مصممة للقمح.. يجب أن تتوفر مطاحن للذرة حديثة وتُنتَج بكميات كبيرة بعكس الموجود حالياً.

عمل مركز أبحاث الاغذيه علي انتاج دقيق الذره المحسن وذلك للاستفادة منه في الاغذيه التقليديه كالكسره  والعصيده والابري والحلو مر.   وكانت مساهمة رجل الاعمال عبد الوهاب موسى انتاج خط لصناعة الكسرة ميكانيكيا وقد نجح في انتاج الكسرة وتوزيعها بواسطة البقالات   وعكف المركزمع ورشة التكنلوجيا بالخرطوم بحري علي بعض التعديلات وإنتاج خط محسن لا يزال بالمركز.  ايضا هنالك مساهمات من المركز علي انتاج صاج الكسره  علي مستوي المنزل وكان الصاح الكهربايئ وآخر يوضع علي البوتاجاز
 نظرة أخرى علينا، ألا ننظر إلى العاصمة فقط بل إلى الولايات.. الناس تحولوا في المدن إلى الخبز لعدم وجود "الكسرة"، وأعتقد أن تحوّل نمط الغذاء في السودان من الذرة والدخن إلى القمح خلفه سياسات خارجية ومصالح دولية لمناطق الإنتاج والسوق العالمية، وساعد على ذلك وجود الجفاف والمجاعات في أفريقيا والعالم الثالث.. فالنازحون يتلقون معوناتهم من القمح وكذلك في حالات المجاعة والحروب والنزاعات.

خطأ الاستيراد:
حتى لو سلّمنا بوجود القمح في تركيبة المائدة السودانية فالاستيراد خطأ، علينا أن ننتجه هنا ونطحنه هنا في السودان.. الواقع أننا نستورد دقيق القمح وهذا غريب!!
ثمة طاقات كبيرة في المطاحن معطلة لأننا نستورد دقيقاً جاهزاً.. وثمة قيمة أخرى للذرة، فهي غذاء للحيوان أيضاً علف أو (ردة) القمح لا يتيح هذه الإمكانية، والحيوان يمدنا باللبن.. وأفضل نوع من أنواع الذرة قابل للخلط هو الذرة (طابت).. أما الدخن فيتم تقشيره بنفس طريقة الذرة لكنه لا يناسب مذاق شمال ووسط السودان، وفي كردفان يجد قبولاً واسعاً.. كذلك دارفور.. والدخن غذائياً أفضل من الذرة.

ختاماً.. يرجع الفضل في هذه الجهود، جهود البحث والاستكشاف لأساتذة أجلاء وباحثين على تعاقب أجيالهم عملوا بمركز أبحاث الأغذية "شمبات"، وتحديداً شعبة تكنولوجيا الحبوب مركز أبحاث الأغذية "شمبات".
مجلة "مذاق خاص"
الفصل الرابع 2019
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان

الخميس، 19 ديسمبر 2019

الكسرة ليست طعاما فحسب إنما طقسا متكاملا من طقوس الحياة السودانية..

الكسرة ليست طعاما فحسب إنما طقسا متكاملا من طقوس الحياة السودانية..
صناعتها التي تتم بالفطرة والممارسة منذ الآماد البعيدة في حياة المرأة السودانية كمدبرة وقائدة للاسرة.
في هذا العدد الهام  والمتميز من مجلة "مذاق خاص"
الشيف إسعاد العبيد تقدم المعاصرة بثوابت الاصالة السودانية..
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان

The Issue... To H.E.Abdallah Hamdok,The Prime Minister and his Government

This Issue
To H.E.Abdallah Hamdok,The Prime Minister and his Government

The journey of preparing and directing all the issues of Mazaaq Khaas magazine is strenuous, but this issue has made a double effort because it is a long and deep journalist investigation that seeks to reach the roots of the problem, its origin, size, and effects, besides offering solutions and treatments.

We did not imagine when we plan this special Durra file, the depth and width of the historical, political, cultural and economical challenges that  intersect with this file, and the national efforts seeking to replace wheat with Durra as a main food option for the people of Sudan,

 Unfortunately still not enough serious political decision has taken place to support essential policies necessary to bush durra to act as main food as well as economic alternative.

Ironically, when we talk about alternatives to wheat as if it is our basic food historically, not durra, this problem is a result of the poor measures, poor development policies, lack of imagination and absence of scientific planning that flipped dimensions and reflected the image.

 So to overcome this, we are documenting the testimony of the expert-in the science and technology of grain-Dr.Sit Al-Nafr Mahgoub, addressing the Prime Minister Hamadook’s effort, pointing out the genuine research and sincere National efforts led by Sudanese Scientists and Experts dealt with the re-consideration of durra as food culture, a way of life and a gift of God.

This issue is honored to be joined by a large  pen to become like the jewel of the crown,  the Great Scientist professor Jaafar Mirghani, a name honored platforms and adorned by his precious, wide and deep  knowledge.

The late professor Ahmed Tayeb Zain El Abidin launched a delicious article in which durra was monitored in -its cultural and societal influences and impacts - on the whole Sudanese Culture!

 Dr. Maha Obeidallah discusses the subject in its organic composition within the food balance chain, and the magazine consultant Haidar Altom in species and uses, traditionally and spirituality and chef Esaad recall the inherited food making traditions from durra & millet in her contemporary way, and the desert of this issue is Mohamed Fatih Abu Aqlaa who roamed us in a rich tourism and sympathy between the fields of durra.
Dear reader and advertiser: you have supported Mazaaq Khaas project, and this is still the covenant unplugged, provided that we are from you and to you.

Mazaaq Khaas
Nutrition & Health Magazine-2019

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

هذا العدد.. إلى السيد رئيس الوزراء وحكومه..

هذا العدد
الي السيد رئيس الوزراء وحكومته

* مضنية رحلة إعداد وإخراج كلّ أعداد مجلة (مذاق خاص)، ولكن هذا العدد بُذل فيه مجهود مضاعف، فهو بحث طويل وعميق في الصحافة الاستقصائية التي تسعى إلى جذور الأزمة ومكامنها وتتساءل حول الحلول والمعالجات.
* لم يكن في البال ونحن نصنع المخطط الأوليّ لملف الذرة الذي كرسنا هذا العدد لاستكشافه، مدى التقاطعات العميقة لهذا الملف مع ما هو سياسي واقتصادي ومعيشي، بل وتقاطع الملف مع محاور دولية تسعى لإحلال القمح وفرضه كخيار وافد على أهل السودان، وللأسف لم يتخذ بشأن اعتماد سياسات الذرة كبدائل غذائية واقتصادية في مقابل القمح أي قرار سياسي حتى مثول هذا العدد بين يدي القارئ.
* المضحك المبكي أننا بتنا نتحدّث عن بدائل القمح كأنما الأصل في غذائنا هو القمح وليس الذرة، وبسوء التدبير وهوان سياساتنا التنموية وضعف الخيال والتخطيط انقلبت الأبعاد وانعكست الصورة، فصار الأصيل هو الدخيل، وهذا ما لمسناه ونحن نوثّق شهادة الخبيرة في علوم وتكنولوجيا الحبوب "ست النفر محجوب"..  أننا نخاطب في هذه الافتتاحية دولة رئيس الوزراء حمدوك بجهد المقلّ، منوّهين في هذا العدد إلى بحث أصيل وجهود وطنية مخلصة قادها علماء وخبراء من أبناء هذا الوطن بضمير مخلص لإعادة الاعتبار إلى الذرة كغذاء ونوع حياة، وكنبتة سودانية مكانها سهول السودان وأراضيه وريّها مياه أمطاره وعاصمتها القضارف.
يتشرّف هذا العدد بأن يضم قلماً كبيراً إلى حبات عقد كُتّابه النضير ليصير مثل جوهرة التاج، ذلكم هو العلّامة الحبر جعفر ميرغني، وهو اسم تتسابق لإضافته المنابر والمنصات وتتزيّن بعلمه النادر الغزير السطور والصدور، وعندما يتحدّث العلّامة جعفر ميرغني فإنما ينظر في الجذور الحضارية لأية ظاهرة سودانية ناهيك عن تأثيل الغذاء وتأصيله وهو بحث عزَّ أن ينال من غير كرمه.
* لقد أطلق الراحل المقيم بروفيسور أحمد الطيب زين العابدين مقالاً شهيراً رصد فيه الذرة في تأثيراتها الثقافية والمجتمعية على أهل السودان طارفها وتالدها، فهل لا يزال هذا الأثر قائماً بعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وبعد أن تغيّر نمط السلوك الغذائي في السودان خاصة في حواضره ومدنه؟!
* يحاول هذا العدد تغطية ملفّ الذرة برشفات عدة من أكواب شتى، فدكتورة مها عبيد الله تبحث موضوع الذرة في تركيبتها وتكوينها العضوي ضمن سلسة التوازن الغذائي، والباحث المجوّد حيدر التوم في الأنواع والاستخدامات، والشيف إسعاد العبيد تستدعي موروثا اصيلا على مائدتها المعاصرة، وحلوى مائدة العدد وتحليته المقال الشجي الطروب للباحث الشجي وارث الروح السودانية صاحب الدوبيت والمسادير محمد الفاتح أبو عاقلة الذي طوّف بنا في سياحة غنية ومؤانسة ماتعة بين حقول العيش.
* عزيزي القارئ والمعلن
لقد دعمت مشروع (مذاق خاص) ولا يزال هذا هو العهد، بل العشم موصول، فشرط وجودنا منك وبك.

مذاق خاص
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان

السبت، 14 ديسمبر 2019

إجازة صيفية بمذاق الجبن والفسيخ محمد أمين أبو العواتك

إجازة صيفية بمذاق الجبن والفسيخ
محمد أمين أبو العواتك
مجلة "مذاق خاص"
يأتي موسم الإجازات الصيفية في السودان قديماً بعد انتهاء العام الدراسي في وقت موحّد لكل المراحل الدراسية بدرجاتها المختلفة في ذلك الزمان "ابتدائي، عام وعالي"، فكانت غالب المدارس حكومية قبل ظهور المدارس الخاصة وتراجع دور الدولة شيئاً فشيئاً مع التراجع العام الملحوظ في جودة الخدمات المقدمة في مجالات عدة.
 تتهيأ الأسر السودانية المنتشرة جغرافياً في كل خارطة الوطن الكبير حسب احتياجات الخدمة المدنية وسياساتها الطموحة في ذلك الزمان في ربط نسيج الوطن الاجتماعي تمازجاً جميلاً بين مختلف مكوناته وإثنياته حتى صارت كل المدن السودانية كشكولاً ملوّناً جميلاً وتداخلاً طبيعياً حميماً، تتهيأ هذه الأسر للإجازة السنوية منذ مدة طويلة يتفق عليها في الغالب منذ الإجازة التي سبقت، فتشهد فترتها في الغالب المناسبات الاجتماعية الجامعة للأهل كالزواج والختان وغيرهما، وترتب الأسر أحوالها وفقاً لذلك طوال العام تخطيطاً وتجهيزاً على أن القبلة الأساسية لكل الإجازات في الغالب هي للبيت الكبير في مسقط الرأس، حيث الجد والجدة، وتستخرج تصاريح السفر على السكة الحديد منذ فترة وكذلك الشراء الشهري لهدايا الإجازة، التي تكون في الغالب من خيرات المنطقة، فأهل دارفور وكردفان لديهم خيرات واسعة من المنتجات الزراعية والغابية كالتبلدي والكركديه والقضيم والفول السوداني خاصة المسحون وأنواع الشطة الحارة والسمن البلدي، وتفضل ربات البيوت كذلك الأدوات المنزلية كأطباق الأكل المزخرفة (الطُّباقة) التي تستخدم لتغطية الأكل وتصنع من المواد المحلية كالسعف وتشتهر بها تلك المناطق، بجانب أداة النظافة المشهورة (المُقشاشة)، و(المُفراكة) وهي أداة تستخدم في تنعيم الخضار أثناء الإعداد عن طريف الفرك، فأطباق الطعام المفروك في السودان من الخضار تعد أحد أهم الأطعمة التقليدية في وجبة الغداء كالبامية والملوخية والشمار والورق الأخضر مع الكسبرة وغيرها من الأطباق السودانية المميزة.
أهل الصعيد كذلك لهم خيرات متعددة وتكون غالب هدايا الإجازة من المنتجات الزراعية والتوابل الفاكهة التي تتميز بها بعض أنحاء شرق السودان كمنطقة كسلا التي تجاور كذلك  مناطق البن الحبشي، أما الشمال فالبلح والفول المصري والشمار والكسبرة، ويهدي أهل الجنوب وجبال النوبة ثمار الغابة السودانية وعسل النحل الأصلي، كما تشتهر شطة الجبال، وتتميّز هدايا البحر الأحمر بمظهر مختلف كطبيعة المدن الساحلية والموانئ التي تمثل لنا في ذلك الزمان دهشة ومفاجآت جميلة قبل الانفتاح الاقتصادي والعولمة وتطور وسائل الاتصال والفضائيات.
العائلات الكبيرة الممتدة في جميع أنحاء السودان تتوزع أسرها الصغيرة ما بين التجارة والوظيفة العامة في مختلف تخصصاتها كالصحة والتعليم والجمارك والمجالس البلدية والشركات الخاصة، كعائلتنا الكبيرة التي هي نموذج مثالي يمثل أهل السودان بين يدي الحكومات التي أعقبت الاستقلال بأنواعها حتى فترة الرئيس نميري أو ما يعرف بفترة ثورة مايو،  فكانت تلتقي كل هذه الأسر في البيت الكبير في الدويم بحر أبيض، كل يحمل هداياه من خيرات جغرافيته ويصير البيت الكبير كخلية نحل، خاصة نحن الصغار، بطاقة تزيد عن المعتاد وكل تلك المعارك والمغامرات.
المدن على ضفاف الأنهار التي تحتشد بها بلادي جعلت الأسماك ومنتجاتها من المكونات الرئيسية للغذاء، وظلت ممارسات وطقوس إعدادها وتخزينها وتخميرها موروثاً ثقافياً مهولاً تفنن أهل السودان فيه بمختلف مذاقاتهم وأمزجتهم على مر حضاراتهم عبر التاريخ، ليصير البيض وتلوينه والبصل والفسيخ رموزاً احتفالية وأعياداً يُحتفى بها كل عام.
سرعان ما تنتهي إجازة الصيف الحافلة بالأحداث ومختلف المناسبات، ويبدأ برنامج العودة وهنا يبدأ مظهر جديد لموروث أهل السودان في الكرم والتقدير للآخر من جميع الأهل والمعارف، وهي مراسم الوداع، وتشتهر الدويم كإحدى حواضر بحر أبيض بالجبن والفسيخ في تلك الصفائح الحديدية الصغيرة المميزة والمشهورة، التي تبدلت بمرور الأيام إلى البلاستيك، وعادة تمثل المحصلة النهائية للوداع كمية كبيرة من عبوات الجبن والفسيخ التي تصلح أن تكون رأس مال تجاري لبداية مشروع استثماري ويكون عبء حملها للديار مشكلة خاصة إذا كانت المحطة الأخيرة الأبيض أو بورتسودان!!
وفسيخ بحر أبيض من النوعيات المميزة في السودان، ويصنع من أنواع مختلفة من الأسماك كالكوارة والدبس ألا أن أجود أنواعه تصنع من سمك (الكاس) المعروف، وطوّر البعض تصنيعه بسحنه لتُنتج بودرة الفسيخ تسهيلاً لإعداده، على أن واقع الصناعة ظل كما هو في بدائيته مع كل هذه الموارد المهولة.. ترى من سيصنع الفرق؟!
مجلة " مذاق خاص"-٢.١٩
مجلة التغذية و الصحة الاولي في السودان