خبيرة تكنولوجيا الحبوب
أ.د ست النفر محجوب لـ(مذاق خاص):
- سياسات عالمية فرضت القمح وكرّسته
- الذرة بحاجة لقرار سياسي جرئ
يستحيل تجاوز شهادة بروفيسور ست النفر محجوب الخبيرة في مجال علوم وتكنولوجيا الأغذية ونحن نفتح ملف البدائل الغذائية لأهل السودان وتحديداً الذرة، فقد ظلت هذه العالمة الجليلة، الأستاذة الجامعية والباحثة المهمومة بالعمل العام تقاتل لعقود من الزمان لتأصيل موروثاتنا الغذائية الوطنية وتكريم تقاليدنا المجتمعية في الغذاء والصحة، وما أن يرد ذكر الذرة والقمح إلا ويطفر اسمها إلى سطح الذاكرة، فقد استهلت هذه الجهود المخلصة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي ولا يزال في صدرها شيء من حتى القمح والذرة.. جلست إليها (مذاق خاص) لتستخلص منها شهادة توثيقية حول هذه الجهود المضنية مجراها ومرساها، فكانت هذه الإفادة التي اتخذت شكل خطوط وعناوين بارزة دون أن نغوص في التفاصيل.. فإلى روايتها الشخصية.
الهموم والاهتمام:
منذ تخرجي في كلية العلوم جامعة "الخرطوم" على مستوى البكالوريوس، ثم حصولي على الماجستير والدكتوراه من جامعة "كنساس" بالولايات المتحدة الأمريكية، انصرف اهتمامي إلى موضوع الحبوب والغلال لا سيما أن الجامعة نفسها، جامعة "كنساس"، أعني الكلية التي درست بها، متخصصة في صناعة وعلوم الحبوب.. عدت إلى الوطن وكان موضوع الحبوب شاغلي وهاجسي، والتحقت بالعمل بمركز بحوث الأغذية بشمبات، هذا وقد سبقتني جهود باحثين وعلماء في هذا المجال، ولأن هذا الانشغال بدأ عندي 72- 1976 واصلنا العمل، فنحن نعمل كتيم وفريق عمل متجانس لكلٍّ كسبه ودوره.. بدأت قيادة فريق العمل واستمرت البحوث في مجال الحبوب بتمويل من (FAO) وطبقنا بعض النتائج تجارياً.
84- 1985م
تواصل ست النقر شهادتها التوثيقية قائلة:
الواقع أننا عملنا على تحسين دقيق الذرة وخلطه مع القمح لإنتاج الخبز ومنتجات أخرى.. الأبحاث كانت مشجعة وبالتالي استمرت الأبحاث بكل أنواع الذرة المتوفرة في السودان، وبدأنا بنسبة خلط (5%) إلى (50%) ذرة مع القمح، تجارياً طبقنا نسبة خلط (20%) ذرة في ثلاثة مخابز بمدن العاصمة المثلثة: الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان.. هذه التجربة لم تستمر للأسف لأنه عندما يتوفر القمح تهمل الدولة الموضوع، وعندما يرتفع سعر القمح عالمياً يعود البحث عن الدقيق المخلوط (قمح+ ذرة).
القمح والسياسة:
تواصل بروفيسور ست النفر محجوب شهادتها التوثيقية مضيفة هذه المرة نظرة تحليلية لتقاطعات البحث العلمي والاقتصاد والسياسة قائلة:
نحن علماء متخصصون لا دخل لنا بالسياسة، ولكن أستطيع القول من خلال استدامة هذه المحاولات في مسألة العلاقة بين القمح والذرة، إن هذا الملف بكامله لم يتخذ بشأنه قرار سياسي حاسم.. استمر عملي مع مركز أبحاث الأغذية حتى بعد خروجي من المركز، واستمر التجريب والتطبيق، وارتفعت النسبة حتى (100%) ذرة، وأنتجنا خبراً مقبولاً.. التطبيق التجاري استمر.. نفذنا تجربة مع ولاية الخرطوم سنة 1995، والخلط كان فيها بنسبة (30- 35%) ذرة، وكانت النتيجة طيبة ومقبولة جداً.
التجربة الثانية بولاية الخرطوم كانت 1998م تحت اسم المشروع القومي لصناعة الخبز المخلوط.. 2009م استمرت التجارب، والدراسات العليا لم تتوقف في هذا الباب واستخدمت بعض التطبيقات دقيق الفتريتة.. 2017م تم فيه آخر تطبيق مع البنك الزراعي (المخزون الإستراتيجي).. وفي العام 2018 استغل طلاب، دراسات في إنتاج خبز لشريحة من المرضى المصابين بحساسية القمح.. الشاهد أن هذه المحاولات لم يسندها قرار سياسي جريء، كما أن المحاولات المستمرة للبحوث في بدائل تمثلها غلال أخرى غير القمح تصطدم دائماً بقوى عالمية تمثل تجارة القمح الدولية مصدراً حيوياً من مصادرها الاقتصادية.
مساهمة القطاع الخاص:
أول تطبيق تجاري مولته المعونة الأمريكية، تعاونوا معنا.. سياسة القمح قامت على فرضية توفّر الذرة وانخفاض أسعاره. للأسف الدولة فتحت باب استيراد القمح والدقيق وهو أمر ليس في صالح الإنتاج المحلي.. لكي ينجح الأمر لابدّ أن يكون هناك فائض محصولي وأصناف وكميات وزراعة.. الزراعة تحتاج إلى مواعين تخزينية، لابد من التوسّع في المواعين التخزينية، وأن تتوفر مطاحن للذرة بمواصفات.. المطاحن الموجودة مصممة للقمح.. يجب أن تتوفر مطاحن للذرة حديثة وتُنتَج بكميات كبيرة بعكس الموجود حالياً.
عمل مركز أبحاث الاغذيه علي انتاج دقيق الذره المحسن وذلك للاستفادة منه في الاغذيه التقليديه كالكسره والعصيده والابري والحلو مر. وكانت مساهمة رجل الاعمال عبد الوهاب موسى انتاج خط لصناعة الكسرة ميكانيكيا وقد نجح في انتاج الكسرة وتوزيعها بواسطة البقالات وعكف المركزمع ورشة التكنلوجيا بالخرطوم بحري علي بعض التعديلات وإنتاج خط محسن لا يزال بالمركز. ايضا هنالك مساهمات من المركز علي انتاج صاج الكسره علي مستوي المنزل وكان الصاح الكهربايئ وآخر يوضع علي البوتاجاز
نظرة أخرى علينا، ألا ننظر إلى العاصمة فقط بل إلى الولايات.. الناس تحولوا في المدن إلى الخبز لعدم وجود "الكسرة"، وأعتقد أن تحوّل نمط الغذاء في السودان من الذرة والدخن إلى القمح خلفه سياسات خارجية ومصالح دولية لمناطق الإنتاج والسوق العالمية، وساعد على ذلك وجود الجفاف والمجاعات في أفريقيا والعالم الثالث.. فالنازحون يتلقون معوناتهم من القمح وكذلك في حالات المجاعة والحروب والنزاعات.
خطأ الاستيراد:
حتى لو سلّمنا بوجود القمح في تركيبة المائدة السودانية فالاستيراد خطأ، علينا أن ننتجه هنا ونطحنه هنا في السودان.. الواقع أننا نستورد دقيق القمح وهذا غريب!!
ثمة طاقات كبيرة في المطاحن معطلة لأننا نستورد دقيقاً جاهزاً.. وثمة قيمة أخرى للذرة، فهي غذاء للحيوان أيضاً علف أو (ردة) القمح لا يتيح هذه الإمكانية، والحيوان يمدنا باللبن.. وأفضل نوع من أنواع الذرة قابل للخلط هو الذرة (طابت).. أما الدخن فيتم تقشيره بنفس طريقة الذرة لكنه لا يناسب مذاق شمال ووسط السودان، وفي كردفان يجد قبولاً واسعاً.. كذلك دارفور.. والدخن غذائياً أفضل من الذرة.
ختاماً.. يرجع الفضل في هذه الجهود، جهود البحث والاستكشاف لأساتذة أجلاء وباحثين على تعاقب أجيالهم عملوا بمركز أبحاث الأغذية "شمبات"، وتحديداً شعبة تكنولوجيا الحبوب مركز أبحاث الأغذية "شمبات".
مجلة "مذاق خاص"
الفصل الرابع 2019
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان
أ.د ست النفر محجوب لـ(مذاق خاص):
- سياسات عالمية فرضت القمح وكرّسته
- الذرة بحاجة لقرار سياسي جرئ
يستحيل تجاوز شهادة بروفيسور ست النفر محجوب الخبيرة في مجال علوم وتكنولوجيا الأغذية ونحن نفتح ملف البدائل الغذائية لأهل السودان وتحديداً الذرة، فقد ظلت هذه العالمة الجليلة، الأستاذة الجامعية والباحثة المهمومة بالعمل العام تقاتل لعقود من الزمان لتأصيل موروثاتنا الغذائية الوطنية وتكريم تقاليدنا المجتمعية في الغذاء والصحة، وما أن يرد ذكر الذرة والقمح إلا ويطفر اسمها إلى سطح الذاكرة، فقد استهلت هذه الجهود المخلصة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي ولا يزال في صدرها شيء من حتى القمح والذرة.. جلست إليها (مذاق خاص) لتستخلص منها شهادة توثيقية حول هذه الجهود المضنية مجراها ومرساها، فكانت هذه الإفادة التي اتخذت شكل خطوط وعناوين بارزة دون أن نغوص في التفاصيل.. فإلى روايتها الشخصية.
الهموم والاهتمام:
منذ تخرجي في كلية العلوم جامعة "الخرطوم" على مستوى البكالوريوس، ثم حصولي على الماجستير والدكتوراه من جامعة "كنساس" بالولايات المتحدة الأمريكية، انصرف اهتمامي إلى موضوع الحبوب والغلال لا سيما أن الجامعة نفسها، جامعة "كنساس"، أعني الكلية التي درست بها، متخصصة في صناعة وعلوم الحبوب.. عدت إلى الوطن وكان موضوع الحبوب شاغلي وهاجسي، والتحقت بالعمل بمركز بحوث الأغذية بشمبات، هذا وقد سبقتني جهود باحثين وعلماء في هذا المجال، ولأن هذا الانشغال بدأ عندي 72- 1976 واصلنا العمل، فنحن نعمل كتيم وفريق عمل متجانس لكلٍّ كسبه ودوره.. بدأت قيادة فريق العمل واستمرت البحوث في مجال الحبوب بتمويل من (FAO) وطبقنا بعض النتائج تجارياً.
84- 1985م
تواصل ست النقر شهادتها التوثيقية قائلة:
الواقع أننا عملنا على تحسين دقيق الذرة وخلطه مع القمح لإنتاج الخبز ومنتجات أخرى.. الأبحاث كانت مشجعة وبالتالي استمرت الأبحاث بكل أنواع الذرة المتوفرة في السودان، وبدأنا بنسبة خلط (5%) إلى (50%) ذرة مع القمح، تجارياً طبقنا نسبة خلط (20%) ذرة في ثلاثة مخابز بمدن العاصمة المثلثة: الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان.. هذه التجربة لم تستمر للأسف لأنه عندما يتوفر القمح تهمل الدولة الموضوع، وعندما يرتفع سعر القمح عالمياً يعود البحث عن الدقيق المخلوط (قمح+ ذرة).
القمح والسياسة:
تواصل بروفيسور ست النفر محجوب شهادتها التوثيقية مضيفة هذه المرة نظرة تحليلية لتقاطعات البحث العلمي والاقتصاد والسياسة قائلة:
نحن علماء متخصصون لا دخل لنا بالسياسة، ولكن أستطيع القول من خلال استدامة هذه المحاولات في مسألة العلاقة بين القمح والذرة، إن هذا الملف بكامله لم يتخذ بشأنه قرار سياسي حاسم.. استمر عملي مع مركز أبحاث الأغذية حتى بعد خروجي من المركز، واستمر التجريب والتطبيق، وارتفعت النسبة حتى (100%) ذرة، وأنتجنا خبراً مقبولاً.. التطبيق التجاري استمر.. نفذنا تجربة مع ولاية الخرطوم سنة 1995، والخلط كان فيها بنسبة (30- 35%) ذرة، وكانت النتيجة طيبة ومقبولة جداً.
التجربة الثانية بولاية الخرطوم كانت 1998م تحت اسم المشروع القومي لصناعة الخبز المخلوط.. 2009م استمرت التجارب، والدراسات العليا لم تتوقف في هذا الباب واستخدمت بعض التطبيقات دقيق الفتريتة.. 2017م تم فيه آخر تطبيق مع البنك الزراعي (المخزون الإستراتيجي).. وفي العام 2018 استغل طلاب، دراسات في إنتاج خبز لشريحة من المرضى المصابين بحساسية القمح.. الشاهد أن هذه المحاولات لم يسندها قرار سياسي جريء، كما أن المحاولات المستمرة للبحوث في بدائل تمثلها غلال أخرى غير القمح تصطدم دائماً بقوى عالمية تمثل تجارة القمح الدولية مصدراً حيوياً من مصادرها الاقتصادية.
مساهمة القطاع الخاص:
أول تطبيق تجاري مولته المعونة الأمريكية، تعاونوا معنا.. سياسة القمح قامت على فرضية توفّر الذرة وانخفاض أسعاره. للأسف الدولة فتحت باب استيراد القمح والدقيق وهو أمر ليس في صالح الإنتاج المحلي.. لكي ينجح الأمر لابدّ أن يكون هناك فائض محصولي وأصناف وكميات وزراعة.. الزراعة تحتاج إلى مواعين تخزينية، لابد من التوسّع في المواعين التخزينية، وأن تتوفر مطاحن للذرة بمواصفات.. المطاحن الموجودة مصممة للقمح.. يجب أن تتوفر مطاحن للذرة حديثة وتُنتَج بكميات كبيرة بعكس الموجود حالياً.
عمل مركز أبحاث الاغذيه علي انتاج دقيق الذره المحسن وذلك للاستفادة منه في الاغذيه التقليديه كالكسره والعصيده والابري والحلو مر. وكانت مساهمة رجل الاعمال عبد الوهاب موسى انتاج خط لصناعة الكسرة ميكانيكيا وقد نجح في انتاج الكسرة وتوزيعها بواسطة البقالات وعكف المركزمع ورشة التكنلوجيا بالخرطوم بحري علي بعض التعديلات وإنتاج خط محسن لا يزال بالمركز. ايضا هنالك مساهمات من المركز علي انتاج صاج الكسره علي مستوي المنزل وكان الصاح الكهربايئ وآخر يوضع علي البوتاجاز
نظرة أخرى علينا، ألا ننظر إلى العاصمة فقط بل إلى الولايات.. الناس تحولوا في المدن إلى الخبز لعدم وجود "الكسرة"، وأعتقد أن تحوّل نمط الغذاء في السودان من الذرة والدخن إلى القمح خلفه سياسات خارجية ومصالح دولية لمناطق الإنتاج والسوق العالمية، وساعد على ذلك وجود الجفاف والمجاعات في أفريقيا والعالم الثالث.. فالنازحون يتلقون معوناتهم من القمح وكذلك في حالات المجاعة والحروب والنزاعات.
خطأ الاستيراد:
حتى لو سلّمنا بوجود القمح في تركيبة المائدة السودانية فالاستيراد خطأ، علينا أن ننتجه هنا ونطحنه هنا في السودان.. الواقع أننا نستورد دقيق القمح وهذا غريب!!
ثمة طاقات كبيرة في المطاحن معطلة لأننا نستورد دقيقاً جاهزاً.. وثمة قيمة أخرى للذرة، فهي غذاء للحيوان أيضاً علف أو (ردة) القمح لا يتيح هذه الإمكانية، والحيوان يمدنا باللبن.. وأفضل نوع من أنواع الذرة قابل للخلط هو الذرة (طابت).. أما الدخن فيتم تقشيره بنفس طريقة الذرة لكنه لا يناسب مذاق شمال ووسط السودان، وفي كردفان يجد قبولاً واسعاً.. كذلك دارفور.. والدخن غذائياً أفضل من الذرة.
ختاماً.. يرجع الفضل في هذه الجهود، جهود البحث والاستكشاف لأساتذة أجلاء وباحثين على تعاقب أجيالهم عملوا بمركز أبحاث الأغذية "شمبات"، وتحديداً شعبة تكنولوجيا الحبوب مركز أبحاث الأغذية "شمبات".
مجلة "مذاق خاص"
الفصل الرابع 2019
مجلة التغذية والصحة الاولي في السودان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق