الاثنين، 27 أبريل 2020

البليلة كرامة وسلامة.. مجلة "مذاق خاص" عدد رمضان ٢٠٢٠

البليلة
كرامة وسلامة..
مجلة "مذاق خاص" عدد رمضان ٢٠٢٠

في كل مدينة سودانية حكاية.. وذاكرة تنبض بشخصيات ومواقف وكرم باذخ حتى وإن كان "حَلّة بليلة"..
في يوم جمعة صحوت على صوت والدتي وهي تهز "الكانون" وتعيد وضع الحلة المكشوفة.. سألتها: أين الغطاء؟ فكان ردها: عشان البخار يطلع السماء يرفع البلاء.. فكانت بليلة جميلة جداً محلاة بالسكر، يأكل منها الغاشي والماشي
يعدّ رمضان موسم البلايل والإبداع والتفنن في تحضيرها.. وتعدّ بليلة المليل صاحبة الصدارة، وأهم خطوة لإعدادها هي النظافة من الحصى بطريقة الحصحصة وذلك بغمرها بالماء وتحرّك اهتزازاً يمنة ويسرة ويصبّ أعلى المليل في صحن آخر مع الماء، ويعاد الماء للصحن الأول وتعاد الكرة حتى آخر الكمية فيترسب كل الحصى، نجدد الماء وتعاد الكرة.. وتُغلى على النار، وبعد النضج تطعّم بالسكر والملح والسمن.. وكذلك بليلة اللوبا عفن وعيش الريف والحنيطير، بعد تنظيفها جيداً نضعها على الماء المغلي، وتطعّم بالسكر والملح والسمن
أما الكبكبي (الحمص) واللوبا العدسية فتختلف في طعمها، فالغالبية تفضلها مملحة فقط..
وتقدم أغلب البلايل مع إضافة البلح، وكذلك يمكن عمل بليلة مشكلة من كل الأصناف عدا العدسية وتكون محلاة بالسكر مع إضافة الملح والسمن..
وتتفرد بعض السيدات بصنع بليلة الدخن المقشور وكذلك القمح المقشور بإضافة اللبن الحليب أو البودرة، ويمكن إضافة الزبيب فتكون أكثر دسامة ولذة.. بعض الناس يفضل العدسية بإضافة الملح والكمون (الشمار) وزيت السمسم كما هو الحال في جنوبنا الحبيب وتؤكل بالرغيف بدلاً عن الفول.
كل أنواع البليلة تعدّ وجبة متكاملة غذائياً لما فيها من فيتامينات وأملاح معدنية وألياف.
البليلة خشم بيوت، وأنواع ومناسبات ومواسم: بليلة رمضان، بليلة اولاد الريف،العدسية ، أم جنقر،أم تكتلني ، بليلة الدستور "الزار"، بليلة الزِّيانة وصوفة البطن، بليلة المسيد، بليلة الجمعة، بليلة الرحاميت، بليلة الندية،بليلة خنّيق القمر، البليلة الغبشاء... ولا يفوتني ذكر بلايل أخرى، كبليلة رباط بسبعة ضفيرات وتسمى مشاهرة الحمل، ورباط السبعة ودعات على يدها، وغرف سبعة مواعين بليلة، وسبعة صحون روب أبيض بالعصيدة مترعة بالسمن وتوزع أيضاً على الجيران وما تبقى حلال على الصناع.. وبليلة الاستسقاء حينما يتأخر هطول المطر وتؤكل بعد صلاة الاستسقاء، توزع على فقراء القوم والعامة.. وبليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر..
الأستاذ فخر الدين صالح حميدة ذاكرة شعبية في بحر أبيض من تلك المدينة الوداعة التي تلثم الضفة الغربية للنيل الأبيض.. الدويم.. مدينة الأوائل، التي حملت مشاعل النور وخرّجت أبكار قادة أهل السودان في الخدمة المدنية وغيرها ولا تزال.. فهي مدينة تتوسط وتجاور جغرافيا التنوع السوداني الجميل في كردفان ودارفور وجنوب السودان، فانعكس ذلك على مزاج إنسانها ومجتمعها لتكون مزاجاً سودانياً متنوعاً وأصيلاً ومستنيراً
يسترجع الأستاذ فخر الدين صالح الذاكرة ويتذكر بطريقته العفوية المحببة:
 بليلة المجاهد، وبليلة أسطى زينب "شيخة الزار"، وبليلة بقرة الحوت بالفتريتة "بليلة الحواتة"، وبليلة الولوولو عند الشلك، تطبخ بالسمك وتؤكل بالمحار والصدف، بوتاسيوم ويود طبيعي
 وبليلة فضلي الذي كان في قرية الصوفي، يشتري برج الحمام ويصنعه بأكمله، واشتهرت باسم "بليلة فضلي" التي تتكون من حمام فقط مع مرقته
ويقول فخر الدين بطريقته المحببة: أنا لا أجرؤ على السقيا في حارة السقايين، ولا يجرؤ مدادي على أوراق وأوراد أصحاب بحر المداد في "مجلة مذاق خاص" الذين هم ولاة أمر الحكي والتدوين لموروث أهل السودان الجميل
 والكرامات خشم بيوت، كما يقولون.. وكل نملة بقرصتها.. فأعظم الكرامات يعقر وينحر ويذبح فيها كل أصناف الأنعام: إبل، ثيران، خراف.. وفراخ
 وفي حضرة جمال قراء المذاق الخاص ندلو بدلونا في كرامات أهلنا حنطة ولوبيا وذرة.. ونسرف إكراماً لكم ولمذاقكم الطيب الذي صحح أذواق مطابخنا وأتكالنا ولداياتنا بما لذّ وطاب.
حلة وطنجرة...
وصيجاناً وكتوشاً وأطباقا
توثق "مذاق خاص" في هذا الشهر الفضيل لموروث اهل السودان حيث تصطحبكم الشيف إسعاد العبيد رفقة مع  الاستاذ فخر الدين صالح حميدة في كل انحاء الوطن الكبير في كل جغرافيته في شمال السودان جنوبه عرضا لانواع البليلة..
اهلا بكم ورمضان كريم
مجلة "مذاق خاص"
رمضان 2020


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق