رحمتات
مذاق خاص-عدد رمضان المميز
والشهر الفضيل يدخل عتبات أيام العتق– الجمعة اليتيمة- تبدأ الأسر السودانية بتحضير (الرحمتات)، وهي صدقة لأرواح الراحلين للمعتقد الشعبي أن الموتى تشارك أرواحهم الأحياء بركات الشهر الكريم. والرحمتات تنقسم إلى صدقة للكبار عبارة عن (فتة) الثريد واللحم والأرز، ويقدم للأطفال التمر بالزنجبيل أو القرفة على آنية فخارية (قُلل) صغيرة الحجم يقوم الأطفال بتوزيعها والانتشار داخل الحي وكل من يلتقيهم يتقدم بصدقة مادية أو عينية.. وكأن هذا المشهد يستعيد مشهد (الفزعة) في الخلوة، إذ يتبرع المجتمع لطالب القرآن (الحوار) إكراماً لحملة القرآن، ينشدون قبيل أذان المغرب:
التمُر تمر أبونا
الصالحين بجونا
الغُربا بخافونا
أدونا .. أدونا.. أدونا
ويجيبهم صوت كورس الأطفال من الجهة المقابلة:
التمُر تمر أسيادو
شايق ناير في بلادو
خابرين زرعو وتيلادو
الرحمتات تات تات تات
ويعيد الصدى رجع تلك الأهزوجة.. وعندما يصطف الأطفال في مواجهة غنائية أشبه بالمطارحة يأتي الكبار ليفصلوا بينهم بالهدايا والهبات في مشهد يعبّر عن ترابط وطيبة تلك المجتمعات الخيرة، التي يعبّر الدين عن معدنها وكنزها الروحي الذي لا ينضب، ليتخيل طفل آخر حديث النوبَة في ليل رمضان الجميل يحاكيها بلغة النغم:
الفتة أم توم
حمتنا ننوم
حمتنا ننوم
الفتة أم توم
الفتة أم توم
وطفل آخر فصيح يقود الكورس:
التمُر عشرق
والجنزبيل حرّق
بقرفتو اتعتّق
أدونا.. أدونا.. أدونا
ويستفز الأطفال ربات البيوت المدبرات اللائي شرعن في التحضير لكعك العيد حتى يخرجنه صدقة، ولكن هيهات فلن يفعلن غير المطاردة بـ(المفراكة):
كعك المنين ياهو داكا
قوم يا زميل يلاكا
المجوّز البتاكا
كردتني بالمفراكة
وحق لها أن تطردك يا بطيني وأنت تقترب من (المجوّز) "زوج صفائح لحفظ المنين" وأن تضربك بالمفراكة، فالمنين ميقاته العيد وليس رمضان (صبراً يبل الآبري ما عندك).
وفتة الرحمتات ليست كما جاء وصفها في الأنشودة (الفتة أم توم) بل تكاد أن تكون خالية من البهارات والمشهيات والمقبلات لأنها (كرامة)، ويراعى في طعام العزاء ألا يُسرف فيه ولا بهارات ولا (ملاحة) حتى، فمن يريد أن يتلذذ بالطعام في هكذا أوقات وهكذا مصاب؟
سليقة (الرحمتات) سادة، ويشبه الأمر الذي لا تزويق فيه ولا مقبلات في الأمثال السودانية (سادة زي سليقة الرحمتات).. والأرز يضاف إلى الخبز مثل فتة المراغنة وبعض الزبيب عند أهل البندر. ويقال إن هذه العادة السودانية أصولها مدينة بربر ربما قبل التركية الأولى.
المعنى والطقس
من معاني (الرحمتات) الجميلة إدماج الأطفال في طقس رمضاني روحي فيه تواصل مع أرواح الأسلاف، وهنا يمكن أن نعزو ذلك للبعد الأفريقي في الثقافة السودانية، بجانب مسحة التصوف الإسلامي الممتزج بالدين الشعبي فالاعتقاد أن أرواح الموتى تحضر وتتقبل القربات، وفيه أثر الأرواحية الأفريقية، وفيه البعد المسيحي لأن التقدمة وأربعين الميت ترتبط بأرواح الراحلين كذلك في الديانة المسيحية، بجانب البعد الإسلامي.. فالرحمتات حالة سودانية خالصة شكلاً ومعنى.
مذاق خاص-عدد رمضان المميز
والشهر الفضيل يدخل عتبات أيام العتق– الجمعة اليتيمة- تبدأ الأسر السودانية بتحضير (الرحمتات)، وهي صدقة لأرواح الراحلين للمعتقد الشعبي أن الموتى تشارك أرواحهم الأحياء بركات الشهر الكريم. والرحمتات تنقسم إلى صدقة للكبار عبارة عن (فتة) الثريد واللحم والأرز، ويقدم للأطفال التمر بالزنجبيل أو القرفة على آنية فخارية (قُلل) صغيرة الحجم يقوم الأطفال بتوزيعها والانتشار داخل الحي وكل من يلتقيهم يتقدم بصدقة مادية أو عينية.. وكأن هذا المشهد يستعيد مشهد (الفزعة) في الخلوة، إذ يتبرع المجتمع لطالب القرآن (الحوار) إكراماً لحملة القرآن، ينشدون قبيل أذان المغرب:
التمُر تمر أبونا
الصالحين بجونا
الغُربا بخافونا
أدونا .. أدونا.. أدونا
ويجيبهم صوت كورس الأطفال من الجهة المقابلة:
التمُر تمر أسيادو
شايق ناير في بلادو
خابرين زرعو وتيلادو
الرحمتات تات تات تات
ويعيد الصدى رجع تلك الأهزوجة.. وعندما يصطف الأطفال في مواجهة غنائية أشبه بالمطارحة يأتي الكبار ليفصلوا بينهم بالهدايا والهبات في مشهد يعبّر عن ترابط وطيبة تلك المجتمعات الخيرة، التي يعبّر الدين عن معدنها وكنزها الروحي الذي لا ينضب، ليتخيل طفل آخر حديث النوبَة في ليل رمضان الجميل يحاكيها بلغة النغم:
الفتة أم توم
حمتنا ننوم
حمتنا ننوم
الفتة أم توم
الفتة أم توم
وطفل آخر فصيح يقود الكورس:
التمُر عشرق
والجنزبيل حرّق
بقرفتو اتعتّق
أدونا.. أدونا.. أدونا
ويستفز الأطفال ربات البيوت المدبرات اللائي شرعن في التحضير لكعك العيد حتى يخرجنه صدقة، ولكن هيهات فلن يفعلن غير المطاردة بـ(المفراكة):
كعك المنين ياهو داكا
قوم يا زميل يلاكا
المجوّز البتاكا
كردتني بالمفراكة
وحق لها أن تطردك يا بطيني وأنت تقترب من (المجوّز) "زوج صفائح لحفظ المنين" وأن تضربك بالمفراكة، فالمنين ميقاته العيد وليس رمضان (صبراً يبل الآبري ما عندك).
وفتة الرحمتات ليست كما جاء وصفها في الأنشودة (الفتة أم توم) بل تكاد أن تكون خالية من البهارات والمشهيات والمقبلات لأنها (كرامة)، ويراعى في طعام العزاء ألا يُسرف فيه ولا بهارات ولا (ملاحة) حتى، فمن يريد أن يتلذذ بالطعام في هكذا أوقات وهكذا مصاب؟
سليقة (الرحمتات) سادة، ويشبه الأمر الذي لا تزويق فيه ولا مقبلات في الأمثال السودانية (سادة زي سليقة الرحمتات).. والأرز يضاف إلى الخبز مثل فتة المراغنة وبعض الزبيب عند أهل البندر. ويقال إن هذه العادة السودانية أصولها مدينة بربر ربما قبل التركية الأولى.
المعنى والطقس
من معاني (الرحمتات) الجميلة إدماج الأطفال في طقس رمضاني روحي فيه تواصل مع أرواح الأسلاف، وهنا يمكن أن نعزو ذلك للبعد الأفريقي في الثقافة السودانية، بجانب مسحة التصوف الإسلامي الممتزج بالدين الشعبي فالاعتقاد أن أرواح الموتى تحضر وتتقبل القربات، وفيه أثر الأرواحية الأفريقية، وفيه البعد المسيحي لأن التقدمة وأربعين الميت ترتبط بأرواح الراحلين كذلك في الديانة المسيحية، بجانب البعد الإسلامي.. فالرحمتات حالة سودانية خالصة شكلاً ومعنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق