الجمعة، 26 أكتوبر 2018

جبنة الدويم الممتازة

جبنة الدويم الممتازة
تجربة في امتزاج الحضارات
مجلة مذاق خاص -رصد وتوثيق - سارة الشيخ محمود
قال شارل ديغول: (من يريد أن يحكم فرنسا فليبدأ بتذوق كل أنواع الجبن الفرنسي)، وهي إشارة ذكية في الحكم والإدارة من خلال المعرفة بخصائص الأمة الثقافية وذوقها ومزاجها وطريقة تكوين ذلك المزاج. تنقّب هذه المساحة عن جذور صناعة الجبن في الدويم التي بدأت على يد الخواجة اليوناني بوناباتي أربعينيات القرن الماضي، وبذلك تمثل الصناعة والفكرة والمنتج معاً تجربة في اللقاء الحضاري أحببنا أن نلقي عليها الضوء من خلال البيوتات والرموز والأسماء التي صنعت علامة الدويم التجارية على مرّ الأجيال.
الدويم.. الموقع والأثر
مدينة الدويم، مدينة وادعة تقع على ضفاف النيل الأبيض، وتعرف بمدينة العلم والنور أو مدينة الأوائل.. كيف لا وهي حاضنة معهد التربية بخت الرضا الذي طبقت شهرته الآفاق عربياً وأفريقياً وعالمياً، ولم تكتف الدويم بهذه الألقاب بل حازت على السبق دون المدن والأماكن الأخرى المنتجة للألبان واشتهرت بصناعة الأجبان الممتازة.
جذور صناعة جبنة الدويم
البدايات الأولى لصناعة الجبن في الدويم يحدثنا عنها المهلب حسن سلمان قطان صاحب أقدم وأكبر المعامل والعلامات التجارية لـ(جبنة الدويم) وقال إنها كانت في منطقة أم بويصة التي تقع جنوب غربي الدويم، وقد أسس هذا المعمل يوناني يدعى بوناباتي مايسترو في بداية الأربعينيات وكان له محل في سوق الدويم لتسويق الأجبان وعرضها، وهو محل المهلب للأجبان الحالي بسوق الدويم، وما زال عداد الكهرباء بالمحل باسم الخواجة بوناباتي، ويعدّ هذا المحل ثاني محل لبيع الأجبان في السودان بعد معمل أم بويصة.
ويقول المهلب: (المعمل الأول لصناعة الجبن في السودان في فترة بوناباتي بأم بويصة كان يبدأ عمله عادة في الخريف ويتوقف في فصل الصيف لأن الأبقار فيه تنزل إلى البحر، وهي الفترة التي  يبدأ فيها العمل في معمل الدويم في المحل الحالي الذي يشمل أربعة محال تقع أمامه في سوق الدويم).
آل قطان.. خلفية أسرية
ويحدثنا المهلب عن أصول أسرة "قطان" قائلاً إن أصولهم من منطقة بمبان (قرية دراو) بصعيد مصر، فديوان قطان ما زال موجوداً في بمبان، مشيراً إلى أن جده لأبيه قطان كان يتحدث المصرية وهو مولود في السودان عام 1900، ويرجع تاريخ دخول الأسرة السودان إلى العام 1870 واختاروا الدويم مقراً لهم فاشتغلوا بالزراعة والتجارة، وكانت منطقة زراعتهم "دويم شات" وتحديداً في "الزريقة" و"قلاجة".
وتاريخياً، يوضح المهلب أن والده حسن سلمان قطان وعمه عابدين سلمان قطان كانا يعملان بالزراعة والتجارة في منطقة الشنابلة والزريقة وهي منطقة كانت مشهورة بالألبان، فقاما ببناء معمل لصناعة الأجبان في منطقة "قلاجة" جنوب غربي الدويم ليصيرا أول ملاك ومستثمرين في هذه الصناعة بعد الخواجة بوناباتي، وفي ذلك الوقت كان الخواجة بوناباتي قد توسع في صناعة الجبن وقام  بتشييد (14) معملاً في قرى محلية الدويم، وعندما أراد الخروج من السودان والعودة إلى بلاده قام ببيع كل معامله للأخوين حسن وعابدين قطان لما لمسه فيهما من صدق في صناعة الجبن، ووقتها كان قد عرض المعمل في سوق الدويم بمبلغ (200) جنيه ولكنه قام ببيعه إلى حسن قطان بمبلغ (180) جنيهاً، وأيضاً معمل آخر في السوق كان قد عرضه بمبلغ (5) آلاف جنيه وأيضاً قام ببيعه إلى حسن قطان بمبلغ (4) آلاف جنيه.
كيفية صناعة الجبن
وأخبرنا المهلب قطان عن كيفية صناعة الجبن فقال: (أولاً يوضع اللبن في برميل كبير ويكون بمقدار "14 صفيحة × 36 رطلاً"، ليصير عدد الأرطال 504 أرطال لبن، ويضاف إليه 14 كيلو ملح، أي أن الكيلو الواحد يزن رطلين وربع الرطل ليصبح المقدار الكلي للملح 33 كيلو، ثم تُضاف إليه الخميرة. علماً بأن نسبة الخميرة تختلف في مقاديرها، ففي الصيف تقل نسبتها وفي الشتاء تزداد)، ويضيف: (بعد ثماني ساعات يتخثر اللبن ويصير "روب" ثم يصب في فوط "شاش" خفيف وبعد مضي ثماني ساعات يصير "جبنة" وهذه العملية تستغرق 48 ساعة وتصير لينة، ثم توضع في عبوات أو صفيحة أو في صندوق بلاستيكي).
وأبان المهلب أن التحديثات التي طرأت على صناعة الجبن حالياً هي زيادة كمية الملح وتقليل كمية الخميرة لكي تكون الجبنة رطبة، وكذلك إضافة "المثبت" وهي مادة تُستورد من الصين وحقيقة صناعتها غير معروفة هل تحتوي على مواد ضارة بالصحة أم لا، لذلك نحن في (جبنة المهلب) لا نستعملها بتاتاً حفاظاً على صحة المستهلك وحماية له من الأمراض، فهي مسألة أمانة وضمير أولاً وأخيراً.
وذكر المهلب أن التعبئة سابقاً كانت تتم في (صفيحة) مطلية بمادة حافظة، ولتقليل التكاليف المتصاعدة كل يوم لجأ أصحاب مصانع الجبن إلى البلاستيك أو العبوات الصغيرة داخل أكياس (بولي ايسلين)، وقال إن عبوات الجبن تتراوح ما بين الصفيحة (40) كيلو والجالون (2) كيلو، مشيراً إلى أن الصفيح كان يصنع خصيصاً للجبن، الآن يعاد تدويره ويعبأ أكثر من مرة، لكن معظم صانعي الأجبان تحولوا إلى البلاستيك لأن الصفيح أغلى ومكلف.
سألنا المهلب: لماذا مدينة الدويم بالذات مع توفر الألبان في كل أنحاء السودان؟ فأجاب بأن الخواجة بوناباتي اختار منطقة الدويم بعد أن جاب السودان كله ولم يجد غير منطقة الدويم وما حولها لسببين: لأنها تقع في منطقة إنتاج اقتصادي بتركيز عالٍ وبسبب تميز وجودة الألبان.
وراثة المهنة
 وتحدث إلينا المهلب عن الأسر التي عملت في صناعة الأجبان وأهم العلامات التجارية، وقال إن هنالك أسراً أخرى دخلت في صناعة الأجبان كأسرتي محمد خليفة الدويحي وأخيه آدم خليفة الدويحي فاشتغلا في منطقة دويح وأسسا فيها معامل لصناعة الجبن وانتشرا في العمل جغرافياً حتى منطقة العباسية في جبال النوبة، وأشار إلى أن أهم العلامات التجارية لهذه الصناعة كانت: (رأس الثور  لعابدين سلمان قطان، والشروق، ثم المهلب لحسن سلمان قطان)، بينما كانت أشهر علامات آل الدويحي (الحمامتان).
جبنة الدويم.. تحدي الاستمرار
وفي إجابته عن سؤال: رغم كل هذه السمعة الطيبة للدويم وجبنتها لماذا لم تنمو وتتطور هذه الصناعة على مر هذه العقود؟ أوضح المهلب أن هذه الصناعة لم تتطور لأسباب عديدة منها: أن العمال الذين يعملون بصناعة الجبن لم ينالوا حظاً وافراً من التعليم، إلى جانب افتقار المعامل في مناطق الإنتاج لخدمات الكهرباء، الماء والعلاج، وهي مناطق طاردة وغير مشجعة على العمل والإقامة بها. كما أنه من غير الممكن أن يقيم العامل بالمدينة لأن اللبن موجود في المراعي. ومن الأسباب كذلك بُعد مناطق الإنتاج عن المدن ووعورتها أيام الخريف فهي تكون مقفولة تماماً وتصعب الحركة فيها، يضاف إلى ذلك التكاليف الباهظة لخميرة الجبن (المادة المساعدة لتخثير اللبن) فهي تُستَجلب من الخارج بطريقة غير نظامية بواسطة تجار الشنطة، والأسعار قابلة للزيادة والنقصان وتتراوح ما بين (10) إلى (1000) جنيه.. كذلك تأرجح أو تذبذب السوق ما بين العرض والطلب، فسوق الجبن يتحكم فيه تجار مركزهم في أم درمان وهم في الأصل كانوا عمالاً في هذا المجال وتدرجوا إلى أن أصبحوا أصحاب معامل ويمارسون تحكماً في أسعار الجبن لضمان شرائها بأسعار رخيصة  من المصنعين ومن ثم بيعها بأسعار عالية، وهي فوائد لا يتحصل عليها المنتج الأصلي.. ولعلاج ذلك لجأنا لعمل مراكز لبيع الجبن خاصة بنا للتحكم في السعر وضمان عدم الاستغلالية والاحتكار.
وعن الدور الحكومي في حماية ومساندة المنتجين، قال المهلب إن العمل لا توجد به رقابة حكومية من ناحية الأوزان، وفي معظم الأحيان يتم التلاعب والغش حتى في المواد المصنعة للجبن، فيتم تصنيعها لينة قبل أن تنضج وبذلك تفقد وزنها الحقيقي فتكون أقل من الكيلو.
وكذلك الغش والتزوير في الديباجة، وهو عدم التحكم في صناعة الجبن في المنشأ ومكان التصنيع، فحالياً يتم تصنيع الجبن في سنار والجزيرة والدمازين والبطانة ويكتبون عليها صنعت بالدويم، وهذا عمل عشوائي وغش صناعي بمعامل عشوائية بها كثير من المشاكل وليس معامل نظامية صحية تخضع للمواصفات والمقاييس، وهو أمر يؤثر في إنتاج صناعة الجبن ومواصفاتها.
كنا في السابق نصنع أنواعاً للجبن منها البلدي والمضفرة، وكذلك جبن لمرضى السكري ولمرضى الضغط، والجبن الرومي والموزريلا ولكننا أوقفناها لقلة الطلب وعدم جدوى إنتاجها اقتصادياً وكذلك مفارقات الأسعار.
وفي ختام لقائنا معه تطرق المهلب إلى واقع الصناعة واتجاهاتها وقال إن صناعة الجبن لم تتطور، بل تراجعت.. ففي السابق كانت تعبأ في صفائح وحالياً تعبأ في عبوات بلاستيكية، والأهم أن جودة صناعتها تراجعت ولم تعد تلك (الجبنة) الممتازة ذات المواصفات السودانية اليونانية، بل تستعمل حالياً في صناعتها مادة اسمها (سوربيد) وهي مادة كيميائية ضارة بالصحة على خلاف جبنتنا (جبنة الدويم) المعروفة التي هي جبنة حليب بقري صافٍ.
وقال إنه لا توجد رغبة في تطوير صناعة الجبن نسبة للمشاكل التي تم استعراضها، وللتضخم الكبير في السوق وضعف عملية البيع والشراء ما أدى إلى الكساد والإحباط، وانعكس ذلك في عدم الرغبة في التوسع بالمعامل المصنعة للجبنة المشهورة.
ونحن نودعه، أطلعنا المهلب على بعض الوثائق التي صارت جزءاً من التراث العائلي لآل قطان منها: دفتر قديم يرجع للخواجة بوناباتي يحوي منصرفات وارباح الجبنة في الأربعينيات يحتفظ به السيد المهلب حسن سلمان قطان،  كما احتفظ به والده عن الخواجة بوناباتي مؤسس صناعة جبنة الدويم الممتازة.
عن هذا المنتج:
جبنة الدويم منتج سوداني بمزيج حضاري فريد طعما ونكهة ومذاقا خاصا، حري به ان يوضع في ارقي موائد العالم وهي كنز من كنوز الصادرات السودانية المتميزة  والتي لاتقل اصالة عن الجبن الفرنسي والهولندي والتركي اذا احسنت الدولة والقطاع الخاص استثمار هذا الكنز ودعم هذا القطاع تقنية وتعبئة وتسويقا، خاصة وان جبنة الدويم الممتازة تحتوي علي قيم تفضيلية في سوق الغذاء والصحة فهي طبيعية خالية من المضافات الكيماوية الضارة وعي اقرب الي مذاق اللبن الطبيعي وحتي الابقار مصدر الالبان مرعاها هو المرعي الطبيعي بعيدا عن الاعلاف المصنعه كما في بعض الدول الاخري مع امكانية تشكيلها في احتمالات لا متناهية من اشكال التصنيع...فمن يلتقط زمام المبادرة؟

هناك 5 تعليقات:

  1. عندك جبنه حمراء شبه الديك وفريكوا في مصر

    ردحذف
  2. انتاج الماكينات البان و اجبان . تواصل معي من هذا رقم
    00905317827945

    ردحذف
  3. الخميرة هل هي خميرة العيش العادية أم ماذا

    ردحذف