الحلو مر ... نكهة الشهر الفضيل
مصعب الصاوي*
قال أهل العلم بأصول الثقافة السودانية إن هذا المشروب السحري أصله وفصله مدينة بربر حاضرة التركية الأولى، وهو شراب بمزايا متعددة تجمع بين الغذاء والشراب والمتعة الرمضانية، وفوق هذا وذاك فهو مشروب (يقطع العطشة).
كيمياء الحلو مر
تبدأ أولى خطوات صناعة الحلو مر (الآبري الأحمر) بـ(الزريعة)، وهي نبات الذرة يعاد استنباته ويقطع في مستوى معين، بعد أن تكون البذور قد أخذت اللون البني الغامق (لون الخُمرة) كما تعبّر النساء. ودرجات الزريعة هي التي تحدد طعم ونكهة الحلو مر، فإذا كانت (فطيرة) فقد الحلو مر ذاك المذاق المميز، وإذا (استوت) الزريعة صارت كل الخطوات اللاحقة ممتازة.
الخيش/ الرمل/ الطين
طريقة استنبات الزريعة تحتاج إلى قدر من الرمل والطين لتمكين الزريعة من النمو، والرمل ضروري حتى يفصل عناصر التربة بعضها عن بعض، ويُترك فراغ لتهوية جذور النبات أو كما يعبّر العقل الشعبي عشان (العيش ما يعفن جوة الواطة). تأتي المرحلة الأولى وهي تغطية الزريعة بالخيش الناعم وهذا يضمن للعيش درجة رطوبة معينة تساعد على إنضاج الزريعة دون أن تتعرض للتلف (إن زادت نسبة الماء)، مع ملاحظة أن هذه النسب تقديرية تخضع للخبرة والتجربة ولا يوجد مقياس دقيق لها.
تجفيف الزريعة
بعد أن تنضج الزريعة تُنشر على أسرّة أو سباتات، ويفصل (الشعر) عن أصل البذرة، وتقوم ربة المنزل بتنقية البذور وفرزها لأن بعضها يكون قد (حِرق)، وإذا أضيف لبقية البذور يجعل طعم الزريعة شديد المرارة.
دقيق الزريعة
في الماضي كانت حبوب الزريعة تُسحن بـ(المرحاكة)، وبظهور الطاحونة تُفرز وحدها ويضاف لها دقيق الذرة بنسب معينة.. والزريعة الممتازة هي التي حصلت على مكان جيد التهوية، ويعبّر العقل الشعبي عن هذا المكان الهادئ المتجدد الهواء بتعبير طريف (محل نوم الكديسة).
الكوجان
يسبق يوم العواسة المساء يوم (الكوجان)، وهو إضافة البهارات كالعرديب والشيح والقرفة للآبري وخلط كل تلك العناصر مع عجين الزريعة بعد إضافة الدقيق إليه.. وفي الماضي كان يُستخدم (زير قناوي) للتركيبة الأساسية ومنه يتم توزيع العجينة إلى (حِلل) بمقادير أصغر تُحَل بالماء لـ(العواسة)، والبعض يؤخر يوم (العواسة) حتى يتم التأكد من أن العجين تخمّر تماماً، والمرأة التي تختبر (العجنة) يجب أن تكون أشبه بخبراء المذاق في كبريات الشركات المنتجة للأغذية والعصائر، وهي التي تحدد يوم (العواسة).
يوم العواسة
أشبه بنفير نسوي مصغّر، والبعض يُكرِّم للعواسة بـ(بهيمة صغيرة)، والقهوة والشاي من أهم ما يقدم للنساء يوم العواسة ومشروب الغباشة والنشا وهي مشروبات تمنح النساء الطاقة، لأن عواسة الآبري عمل شاق في نهار السودان القائظ.
الجهمورة
وهي نار الآبري، ولا يصلح لها أي نوع من الأخشاب أو الحطب، بل يتم اختيار خشب مخصوص لها لضمان استمرار اشتعاله وقوة النار وقلة الدخان.. وفي الماضي تضاف لخشب الدال والسنط (الطرفة) لأنها تعطي النار رائحة طيبة.
الصاج
نفس الصاج المستخدم في الكسرة، لكن يفضل أن يكون كبير الحجم (عتيق) أي شديد الحرارة يتفاعل بسهولة، وكلما كان ملمس الصاج ناعماً يسهل (قيام) طَرَقة الآبري، وكلما كان الصاج رديئاً أخر قيام الطَرَقة وكدّب، أي جعلها تلتصق وتتكرمش.
فنيات
في الماضي كانت نساء الشايقية يغمسن (القرقريبة) في (موية التمر) للاعتقاد بأنها تجعل القرقريبة التي تستخدم في العواسة سهلة الحركة، كما أن (موية التمر) تعطي الآبري نكهة طيبة ربما أفضل من (الطايوق).. وغنت المغنية التراثية تشكر صاجها وتمدح زوجها كثير الضيوف الذين يأتون في أوقات مختلفة، وبالتالي يجب أن يكون صاجها جاهزاً:
بابو فاتح فوقو الضيوف روق روق
وصاجي جاهز ما بحتاجلو طايوق
ملحقات
كثيراً ما تضاف بعض الملحقات ليوم عواسة الآبري الأحمر، وهي الآبري الأبيض وفطير السحور(الرقاق).
*رئيس التحرير _مجلة مذاق خاص
مصعب الصاوي*
قال أهل العلم بأصول الثقافة السودانية إن هذا المشروب السحري أصله وفصله مدينة بربر حاضرة التركية الأولى، وهو شراب بمزايا متعددة تجمع بين الغذاء والشراب والمتعة الرمضانية، وفوق هذا وذاك فهو مشروب (يقطع العطشة).
كيمياء الحلو مر
تبدأ أولى خطوات صناعة الحلو مر (الآبري الأحمر) بـ(الزريعة)، وهي نبات الذرة يعاد استنباته ويقطع في مستوى معين، بعد أن تكون البذور قد أخذت اللون البني الغامق (لون الخُمرة) كما تعبّر النساء. ودرجات الزريعة هي التي تحدد طعم ونكهة الحلو مر، فإذا كانت (فطيرة) فقد الحلو مر ذاك المذاق المميز، وإذا (استوت) الزريعة صارت كل الخطوات اللاحقة ممتازة.
الخيش/ الرمل/ الطين
طريقة استنبات الزريعة تحتاج إلى قدر من الرمل والطين لتمكين الزريعة من النمو، والرمل ضروري حتى يفصل عناصر التربة بعضها عن بعض، ويُترك فراغ لتهوية جذور النبات أو كما يعبّر العقل الشعبي عشان (العيش ما يعفن جوة الواطة). تأتي المرحلة الأولى وهي تغطية الزريعة بالخيش الناعم وهذا يضمن للعيش درجة رطوبة معينة تساعد على إنضاج الزريعة دون أن تتعرض للتلف (إن زادت نسبة الماء)، مع ملاحظة أن هذه النسب تقديرية تخضع للخبرة والتجربة ولا يوجد مقياس دقيق لها.
تجفيف الزريعة
بعد أن تنضج الزريعة تُنشر على أسرّة أو سباتات، ويفصل (الشعر) عن أصل البذرة، وتقوم ربة المنزل بتنقية البذور وفرزها لأن بعضها يكون قد (حِرق)، وإذا أضيف لبقية البذور يجعل طعم الزريعة شديد المرارة.
دقيق الزريعة
في الماضي كانت حبوب الزريعة تُسحن بـ(المرحاكة)، وبظهور الطاحونة تُفرز وحدها ويضاف لها دقيق الذرة بنسب معينة.. والزريعة الممتازة هي التي حصلت على مكان جيد التهوية، ويعبّر العقل الشعبي عن هذا المكان الهادئ المتجدد الهواء بتعبير طريف (محل نوم الكديسة).
الكوجان
يسبق يوم العواسة المساء يوم (الكوجان)، وهو إضافة البهارات كالعرديب والشيح والقرفة للآبري وخلط كل تلك العناصر مع عجين الزريعة بعد إضافة الدقيق إليه.. وفي الماضي كان يُستخدم (زير قناوي) للتركيبة الأساسية ومنه يتم توزيع العجينة إلى (حِلل) بمقادير أصغر تُحَل بالماء لـ(العواسة)، والبعض يؤخر يوم (العواسة) حتى يتم التأكد من أن العجين تخمّر تماماً، والمرأة التي تختبر (العجنة) يجب أن تكون أشبه بخبراء المذاق في كبريات الشركات المنتجة للأغذية والعصائر، وهي التي تحدد يوم (العواسة).
يوم العواسة
أشبه بنفير نسوي مصغّر، والبعض يُكرِّم للعواسة بـ(بهيمة صغيرة)، والقهوة والشاي من أهم ما يقدم للنساء يوم العواسة ومشروب الغباشة والنشا وهي مشروبات تمنح النساء الطاقة، لأن عواسة الآبري عمل شاق في نهار السودان القائظ.
الجهمورة
وهي نار الآبري، ولا يصلح لها أي نوع من الأخشاب أو الحطب، بل يتم اختيار خشب مخصوص لها لضمان استمرار اشتعاله وقوة النار وقلة الدخان.. وفي الماضي تضاف لخشب الدال والسنط (الطرفة) لأنها تعطي النار رائحة طيبة.
الصاج
نفس الصاج المستخدم في الكسرة، لكن يفضل أن يكون كبير الحجم (عتيق) أي شديد الحرارة يتفاعل بسهولة، وكلما كان ملمس الصاج ناعماً يسهل (قيام) طَرَقة الآبري، وكلما كان الصاج رديئاً أخر قيام الطَرَقة وكدّب، أي جعلها تلتصق وتتكرمش.
فنيات
في الماضي كانت نساء الشايقية يغمسن (القرقريبة) في (موية التمر) للاعتقاد بأنها تجعل القرقريبة التي تستخدم في العواسة سهلة الحركة، كما أن (موية التمر) تعطي الآبري نكهة طيبة ربما أفضل من (الطايوق).. وغنت المغنية التراثية تشكر صاجها وتمدح زوجها كثير الضيوف الذين يأتون في أوقات مختلفة، وبالتالي يجب أن يكون صاجها جاهزاً:
بابو فاتح فوقو الضيوف روق روق
وصاجي جاهز ما بحتاجلو طايوق
ملحقات
كثيراً ما تضاف بعض الملحقات ليوم عواسة الآبري الأحمر، وهي الآبري الأبيض وفطير السحور(الرقاق).
*رئيس التحرير _مجلة مذاق خاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق